من أوكرانيا إلى فلسطين: قراءة في لعبة المصالح الكبرى لواشنطن وموسكو #عاجل - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب احمد عبدالباسط الرجوب

شكّل الاجتماع الأمريكي الروسي في العاصمة السعودية الرياض يوم الثلاثاء 18 فبراير / شباط 2025 منعطفاً استراتيجياً في إدارة الصراعات الدولية، خاصة مع تركيزه على الحرب الأوكرانية دون مشاركة كييف أو الحلفاء الأوروبيين. هذا اللقاء، الذي جاء بعد مكالمة هاتفية مطولة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين استمرت لمدة 90 دقيقة، أثار تساؤلات عميقة حول مستقبل التحالفات التقليدية وإمكانية صياغة "نظام عالمي ثنائي القطب" جديد، تُحدّد معالمه واشنطن وموسكو خارج إطار المؤسسات الدولية .

(1) أوكرانيا: ضحية التفاوض من دون تمثيل

أظهر الاجتماع الأمريكي الروسي إقصاءً واضحاً لأوكرانيا، التي اكتشفت عبر وسائل الإعلام عقد المحادثات. وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الموقف بأنه "محادثات حول أوكرانيا من دون أوكرانيا"، معرباً عن رفضه أي اتفاق يُفرض من الخارج . لكن الإدارة الأمريكية بدت مستعدة لمناقشة "تنازلات إقليمية" قد تضطر كييف لقبولها، مثل الاعتراف بالسيطرة الروسية على مناطق مُحتلة، مقابل ضمانات أمنية . هذا التوجه يُهدّد بتحويل أوكرانيا إلى ورقة مساومة في لعبة المصالح الكبرى، خاصة مع تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز بأن "الواقع العملي" يفرض مثل هذه الحلول .

(2) التفاوض خارج حدود أوروبا: هل يعاد رسم خارطة الأمن الأوروبي؟

غياب الجانب الأوكراني والأوروبي عن المفاوضات يشير إلى تحول كبير في إدارة الصراع، حيث يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا تتفاوضان مباشرة على حلول سياسية وأمنية دون إشراك الحلفاء التقليديين للغرب. هذا التوجه أثار قلق القادة الأوروبيين الذين يخشون أن تؤدي هذه التفاهمات إلى تقديم تنازلات استراتيجية لموسكو، مثل الاعتراف بسيطرتها على أجزاء من أوكرانيا أو إعادة النظر في هيكل الأمن الأوروبي.

الرد الأوروبي جاء سريعًا بعقد قمة طارئة أكدت على ضرورة أن يكون للاتحاد الأوروبي وأوكرانيا دور في أي اتفاق مستقبلي. في المقابل، روسيا أعادت التأكيد على موقفها الرافض لأي وجود عسكري لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في المناطق القريبة من حدودها، مما يعكس استمرار التوترات بشأن الهيمنة الأمنية في أوروبا.

(3) ترامب وبوتين: تفاهمات جديدة على حساب الحلفاء؟

زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى الرياض، والتي جاءت بعد أيام فقط من مكالمة هاتفية بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، عززت المخاوف من أن إدارة ترامب قد تتجه نحو اتفاقيات غير مسبوقة مع موسكو، خاصة مع تصاعد الانتقادات الأوروبية لموقف واشنطن المتغير تجاه روسيا.

وبينما صرّح ترامب بوضوح أنه يهدف إلى إنهاء الحرب "بطريقة عادلة ودائمة"، إلا أن تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز بأن "التنازلات جزء من أي مفاوضات" يفتح الباب أمام احتمالات واسعة، قد تشمل الاعتراف بمكاسب روسية على الأرض مقابل ضمانات أمنية متبادلة.

أثار غياب الاتحاد الأوروبي عن طاولة الرياض مخاوفاً من انهيار الثقة في التحالف الأطلسي. فالقادة الأوروبيون، الذين عقدوا قمة طارئة في باريس، أكدوا أن أي حل لأزمة أوكرانيا يجب أن يشملهم، لكن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي " جي دي فانس " في مؤتمر ميونخ – حيث وصف الحلفاء الأوروبيين بـ"الشموليين" – عمّقت الشرخ. هذه التصريحات، إلى جانب حديث وزير الدفاع الأمريكي السابق عن انسحاب واشنطن من ضمان الأمن الأوروبي، تُشير إلى تحوّل في الاستراتيجية الأمريكية قد يدفع أوروبا إلى الاعتماد على نفسها في مواجهة التهديدات الروسية، وهو سيناريو لم تتعامل معه القارة منذ الحرب الباردة .

(4) الشرق الأوسط في المعادلة: غزة والنفوذ الروسي

بينما تُدار المفاوضات حول أوكرانيا، يبقى الملف الفلسطيني-الإسرائيلي جزءاً من حسابات القوى الكبرى. على الرغم من دعم ترامب الواضح لإسرائيل في حرب غزة، لم تبدِ روسيا معارضة صريحة، بل عزّزت حضورها الإقليمي عبر علاقاتها مع إيران وسوريا. يُلاحظ أن الاجتماعات الأمريكية الروسية ناقشت تعزيز التعاون الاقتصادي، مما قد يُشير إلى تفاهمات غير معلنة حول تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تُدار الصراعات بعيداً عن الضغوط الأخلاقية؟ .

بعيدًا عن أوكرانيا، يظل الشرق الأوسط ملفًا حساسًا في معادلة التقارب الأمريكي الروسي. الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال الحرب في غزة أثار تساؤلات حول مدى استعداد موسكو لغض الطرف عن سياسات ترامب في المنطقة.

على الرغم من أن روسيا لم تتخذ موقفًا متشدداً ضد إسرائيل في الأشهر الأخيرة، فإن أي اتفاق أمريكي روسي حول أوكرانيا قد يتضمن تفاهمات ضمنية حول قضايا أخرى، مثل النفوذ في الشرق الأوسط ودور إيران في المنطقة كما اسلفنا..

(5) نحو نظام عالمي جديد؟

قد يكون التقارب الأمريكي الروسي بداية لمرحلة تُعيد فيها القوتان العظميان تشكيل التحالفات الدولية، مستفيدتين من تراجع الدور الأوروبي وتصاعد النزعات الانعزالية. لكن هذا السيناريو يواجه تحديات، أبرزها:

1. رفض أوكرانيا والقوى الأوروبية للتفاهمات المُجراة خلف أبواب مغلقة.

2. تعقيدات الملف النووي مع تصاعد التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة الاستراتيجية.

3. الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة بين مؤيدي عزل روسيا وداعمي التقارب معها .

(6) الخاتمة: مستقبل العلاقات الدولية: نظام عالمي جديد؟

اجتماع الرياض ليس سوى حلقة في سلسلة مفاوضات قد تطول، لكن رسالته واضحة: واشنطن وموسكو قادرتان على إدارة الصراعات بعيداً عن الحلفاء التقليديين. السؤال الأكبر: هل سيكون هذا النموذج قادراً على تحقيق استقرار دائم، أم أنه سيفتح الباب أمام صراعات جديدة؟ الإجابة قد تحددها الأيام القادمة، لكن المؤكد أن العالم يشهد تحولاً جذرياً في قواعد اللعبة الجيوسياسية.

مع التقارب الظاهر بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أن العالم يدخل مرحلة جديدة من التفاهمات الاستراتيجية التي قد تعيد رسم خريطة النفوذ العالمي. السؤال المطروح الآن: هل سيؤدي ذلك إلى استقرار طويل الأمد أم إلى خلق تحالفات جديدة وصراعات مستحدثة؟

الأيام القادمة ستكشف إن كانت هذه اللقاءات بداية لنظام دولي جديد، أم مجرد تحركات تكتيكية مؤقتة في لعبة الأمم الكبرى.

باحث ومخطط استراتيجي


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق