الشخصيات الصادمة حولنا والقراءة - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
جو 24 :

 

 


تجربتي طويلة مع تحدي القراءة العربي، وهي إحدى مبادرات الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم للتشجيع على القراءة في الوطن العربي والعالم الناطق بالعربية، وقد شاركت في تحكيم الـمسابقة في مراحلها النهائية في عدة دول عربية، وللجاليات العربية حول العالم، ويمكنني وصف الأطفال الـمشاركين في هذه الـمبادرة بكلمة «صادمون».


لم يقتصر عملي على تحكيم هذه الـمسابقة، بل حكمت في مسابقات مختلفة وآخرها جائزة الدكتور يعقوب ناصر الدين للقراءة الحرة والكتابة الإبداعية، ووجدت الشباب الـمشاركين فيها والمتأهلين يحملون الصفة نفسها «صادمون».
لنعد إلى موضوعنا عن سبب الصدمة، وهو مستوى غالبية الـمشاركين في هذه المسابقات ممن يتحدثون بلغة عربية سليمة غالبا، ويستخدمون مصطلحات عميقة كادت تنقرض من ألسنة الأطفال والشباب، وأساليب حوار منطقية قد يعجز عنها كبار المتعلمين، إضافة إلى قدرات على استدعاء المصطلحات، والـمعلومات، والكلمات بسرعة عجيبة.
لننظر إلى الآخرين، أقصد غالبية غير الـمشاركين في هذه المسابقات، أطفال وشباب عاديين، قد لا يعرف كثير منهم معلومة بسيطة جدا كانت تعد لوقت قريب بديهية، وشائعة بين الناس، ضحالة في التفكير، عدم القدرة على الدخول في حوار بسيط جدا ولو كانت حول حياتهم الاعتيادية، وهذا يجعلنا نتساءل: ما أسباب هذه الفروق؟ الإجابة لا تحتاج إلى دراسات، ولا أبحاث، ولا إلى مراكز بحثية متخصصة إنها القراءة. القراءة التي تصنع إنسانا مختلفا، وتجعله أكثر قدرة على التأقلم مع محيطه، بل وتزوده بمعلومات، ومصطلحات، وأساليب تجعله قادرا على أن يفز على أقرانه بسهولة، ويتسيد أي موقف نقاشي متسلحا بالمنطق والعلم، والأساليب الإقناعية الـمختلفة.
بعد كل جلسة تحكيم كنت أقول لزملائي في التحكيم، "لو عرف الناس قيمة القراءة، وأثرها على الأطفال والكبار لتقاتلوا عليها بالطرقات"، لكننا للأسف أمة لا تقرأ، قبل دخول الرقمية عالمنا، فما بالكم بالوضع الحالي، رغم إيماني الكبير أن الرقمية بقدر ما تحمل في جوفها من تحديات، فيها فرص مذهلة لنشر القراءة، وجعلها خبزا يوميا.
يكفي أن تنظر إلى أي طفل أو شاب يشارك في هذه المسابقات، فترى الجدية في وجهه، وملامح الاهتمام عليه، وإدراكه للأمور الحياتية التي يجب أن يعرفها، ولن نأتي بجديد عندما نتحدث عن فوائد القراءة وتأثيراتها الهائلة على الناس، ولكن الـمشكلة أنها – أي القراءة- مثل الدواء الملقى في الشوارع، فلا ينتبه إليه الـمرضى، غير آبهين بالنظر إليه، فمتى تستيقظ الأمة وتدرك أهميتها.
ندرك حجم التغيرات الرقمية، فإذا لم ننجح باعتبارنا أمة عربية في جعل القراءة جزءا من ثقافتنا العامة قبل دخول الرقمية حياتنا، وأصبح ذلك الجهاز – الهاتف النقال- لا يفارق أيدينا ولا عقولنا، وبتنا في حالة إدمان دائم عليه، ومع ذلك، فأنا مع عمل لقاءات مع أمثال هؤلاء، ليقتنع الآباء والأمهات بزرع القراءة في عقول أطفالهم.
القراءة متعة غائبة، لم يجربها كثيرون، والمسابقات مثل تحدي القراءة العربي، وجائزة الدكتور يعقوب ناصر الدين، ومسابقات وزارة التربية والتعليم في الأردن، وغيرها من المسابقات التي يصعب حصرها جزء من جهد ضخم يقوم عليه مخلصون لامتهم، ويعرفون أنه الدواء الشافي من كثير من الأمراض التي نعاني منها.
عندما نصطدم بثقافة شخص وكاريزمته وقدراته الهائلة على التواصل، والحديث، سنتدرك أن وراءه تلالا من الكتب التي قرأها.
لو كنت مكان الدول العربية لجعلت القراءة أولوية وطنية؛ فهي المفتاح لصناعة مواطن قادر على التحليل، والفهم، والحوار، والنقاش المنطقي، وبالتوازي مع ذلك فهو استثمار حقيقي للتنمية، وبه نضع أسسا قوية للتقدم والازدهار. دعونا نبدأ بتشجيع القراءة في منازلنا ومدارسنا ومجتمعاتنا، حتى نصنع جيلا صادما – بالمعنى الإيجابي – لكل من يراه-.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق