محمد تولو.. حطّم همّه بصرخة.. ونال الجنسية - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محمد تولو.. حطّم همّه بصرخة.. ونال الجنسية - أرض المملكة, اليوم الثلاثاء 25 فبراير 2025 03:37 مساءً

الصعود إلى منصات التتويج يتطلب خطوة واحدة من قدمك على مجسم مكعب.. يُرفع بعدها مُباشرة علم بلادك عاليًا، ويعلو صوت عزف نشيدها الوطني في مشهد اعتزاز وفخر لذّته تُشفي آلام عقبات الرحلة الطويلة، التي سبقت تلك اللحظة التاريخية في مسيرتك، التي أسهمت بتدوين منجز جديد في سجلات وطنك الرياضية.
حتى تصل إلى هذه اللحظة، وتُعيد الكرة مرة وأخرى، عليك أن تتخذ «الشغف» منهجًا لك، وسيّفًا تُشهره في وجه صوتك الداخلي اليائس في أيامك الصعبة.
30 مارس 2001.. في أرجاء حي «العريجاء» الواقع في الرياض، العاصمة السعودية، وُلد محمد تولو، لاعب دفع الجلة، من أب مالي، وأم مواليد السعودية.
في الحارة القديمة سلك تولو مسلك الرفاق، ومارس لعبة كرة القدم في مركز الدفاع تحديدًا، وسبب ذلك يعود إلى ضخامة بنيته الجسدية التي ميّزته عن أقرانه.
لا يُحب المكوث في المنزل قط.. يعشق التجوّل بين أزقة «العريجاء» ليلًا ونهارًا، ما أثار مخاوف والدته عليه، لتُقرر بدورها أن تُسجله في حلقة تحفيظ القرآن الكريم، التي تُنظم عادة في مساجد الأحياء السكنية.
«كنت أهرب من حلقة التحفيظ سرًا.. وألعب كرة القدم».. هكذا اعترف تولو لـ«الرياضية»، مُقرًا بأنه يعلم بخطيئته، ولكن «حُب المغامرة» دافعه.
هروب محمد من حلقات تحفيظ القرآن الكريم كان سببًا في اكتشافه لذاته، ففي إحدى المرات علمت والدته بالأمر، لتُعاقبه عقاب العُمر، ويتعهد بعدها بعدم تكرار ذلك أبدًا.
بجانب ضخامة بنيته الجسمانية عُرف «الفضول» عن ابن «العريجاء»، حيث كان ذاهبًا يومًا من الأيام إلى حلقات التحفيظ، التي أصبح مُنضبطًا فيها، وشاهد في طريقه مجموعة من الفتيّه ينتظرون، إذ ميّز وجوههم وتذكر بأنه يراهم دائمًا في الوضع ذاته، لتسوقه قدمه إليهم ويسألهم عن سبب الحضور اليومي في هذا المكان، ليتجاوبوا معه بـ: «ننتظر الباص يودينا الصالة الخضراء».. لم يفهم حديثهم تولو ورد عليهم قائلًا: «وش ذي؟».
«نادٍ فيه ألعاب كثيرة.. جري.. رمي.. كل شيء» كانت هذه إجابه أحدهم على سؤال تولو، ليُسارع ويقول: «فيه حديد؟» ليرد عليه شخص آخر ضاحكًا: «إيه وبدون اشتراك بعد».
سار قاصدو «الصالة الخضراء» التي علم للتو محمد بوجودها في هذه الدنيا الكبيرة، وتركوه مع أحلام وتخيلات عدة، الحماس كاد أن يجعله يطير وهو ذاهب إلى حلقة التحفيظ.
انتهت الحلقة القرآنية اليومية، ولم تكن مثل التي قبلها، خرج منها تولو وأبواب أمانيه مُشرعة على مصراعيها، على أمل أن يحظى برضى ومباركة والدته لهذه الخطوة الجديدة في حياته.
كعادة الأمهات لم تشُذ والدة تولو عن القاعدة.. قوبل الطلب بالرفض، الخوف من الطريق الجديد كان مُبررها مثل قريناتها تمامًا، كل ما هو مجهول ممنوع.
أعاد تولو محاولات الإقناع مرارًا وتكرارًا حتى استسلمت والدته وأعطته الموافقة، ليواعد فتيّة «الصالة الخضراء» على ساعة مُعينة يرافقهم فيها إلى المكان الجديد.
2016 تعرف تولو على صالة رياضية ضخمة تُسمى «الخضراء» تضم أنواعًا وأشكالًا كثيرة من أدوات الألعاب الرياضية المختلفة، ذُهل وأُعجب بكل ما شاهده.. وفي أثناء ذلك الاندهاش قطع اللحظة صوت شخص يُدعى «أبو فهد»، الذي تنبأ لمحمد مستقبلًا إيجابيًا في لعبة «رمي القرص».
«هل تعرف هذه اللعبة؟.. حسنًا أنا من سيؤسسك» كان هذا أول حديث بين تولو ومدربه «أبو فهد».
نوّع أبو فهد التمارين التي كان يفرضها على تولو، إلى أن قرر أن يختبره في رياضتين أخريين، هما «دفع الجلة»، و«رمي الرمح»، حتى أثبت نفسه في الأولى، ليعتمدها المدرب.
«متى سأشارك في البطولات؟».. هذا هو سؤال تولو للمسؤولين عن اللعبة، التي أصبح يمارسها يوميًا، ويتدرب على فنونها، الإجابة أصابته في مقتل، إذ قيل له: «يا ابني صدر قرار بإيقاف مشاركة المواليد في البطولات» كان هذا في عام 2017.
ذبل حُلم تولو وقرر الابتعاد عن الصالة المُدهشة، وتركها خلف ظهره، ما فائدة كل هذا إن لم يُترجم بالمشاركة في البطولات وتحقيق المنجزات؟ إذن.. الرحيل هو الحل.
بقت بذرة «شغف» صغيرة حيّة في روحه، فكان بين الحيّن والآخر يذهب إلى حديقة الحي ويُمارس «دفع الجلة» بأدوات كان يملكها في منزله، والغصّة في قلبه، والهم يملؤ صدره.
لم يتمن أصحابه رفاق الصالة رؤية حالته هذه، كانوا يحاولون تخفيف عبء انكساره، وعرضوا عليه المشاركة في المنافسات المدرسية، التي رفضها بدوره، موضحًا أن طموحه عالٍ جدًا، حيث كان يرى نفسه في البطولات الاحترافية المنظمة محليًا وعالميًا.
ذهبوا إلى والدته التي كانت ترفض فكرة انضمامه إلى الرياضة من الأساس، ولأنها نقطة ضعفه ويعلمون بتأثيرها الكبير عليه، أقنعوها، هي أيضًا حزينة لانتهاء حُلم ابنها قبل أن يبدأ.. وافقت أم محمد وأقنعته بالمشاركة.
سجل تولو مشاركات عدة في المنافسات المدرسية، محققًا أرقامًا قياسية، ولكن كُل هذا محجوب، لا يُدون في مسيرته، فهي بطولات غير معترف بها دوليًا.
وفي ذات يوم قيّل له: «هناك بطولة ستنظم في الخُبر، ليست رسمية ستشهد حضور مدربين ولاعبين من المنتخب السعودي لألعاب القوى، وسيُسمح لك بالمشاركة إذا أردت»، كان هذا الخبر كفيلًا بأن يُسهم في نضج بذرة «الشغف» الصغيرة المتبقية من حُلم تولو.
«هذه فرصتي.. لا بد أن أثبت لهم أني استحق الوجود في المنتخب».. هكذا خاطب تولو نفسه.. وبالفعل كان تأثيّرها عليه إيجابيًا، دفع الجلة بصرخة صوت عالية جدًا، محققًا رمية بلغت مسافة 14.60 متر، ما جعل الحضور مُنذهلين.. من الصرخة أولًا ومن ثم الرقم الذي يُعد قياسيًا في اللعبة.
«صرخت بكل حواسي.. هي فرصتي الأخيرة.. أُريد أن أحطم همّي.. شعرت بحالة من السكون الداخلي بعد هذه الصرخة».. تولو يصف اللحظة.
بعد أن انتهت مراسم المنافسات، تقدم إلى تولو سلطان الداودي، لاعب المنتخب السعودي لدفع الجلة السابق، والإداري الحالي، وطلب منه تزويده بأرقام تواصل معه، ملمحًا له بإمكانية تمثيّله المنتخب السعودي.
لم يستوعب تولو اللحظة العابرة هذه.. شعور مختلط فرحة.. ترقب.. حذر بأن تكون فقط ردة فعل وقتية ودفعة معنوية.
عاد محمد إلى الرياض، ونقل إلى والدته كل ما حدث، كاشفًا لها عن مشاعره المختلطة، وبعد مرور أسبوع واحد فقط، تواصل الداودي مع تولو، قائلًا له: «رحلتك بعد ثلاثة أيام استعد ستلتحق بمعسكر المنتخب».
«أغلقت الهاتف وسارعت إلى والدتي أُبشرها، هي رفيقة دربي، هي من تستحق أن تشاركني الفرحة»، في هذه اللحظة عاد حُلم تولو إليه.
خاض تولو أول منافسة رسمية له عام 2019، وهي «بطولة المملكة» مسجلًا رمية بلغت مسافة 17.40 متر، لينطلق بعد ذلك في المشاركات المحليّة والدولية.
ترجم عام 2022 جهود تولو في «دفع الجلة» فتوّج بالميدالية الفضية في بطولة آسيا «هانجتشو»، ومثلها في بطولة التضامن الإسلامي بنسختها الخامسة «قونية»، وليُكررها أيضًا بدورة الألعاب الخليجية الثالثة في الكويت.
في عام 2023 تأهل تولو إلى أولمبياد باريس 2024، بعدما استطاع أن يُحطم الرقم القياسي الآسيوي في بطولة مدريد لألعاب القوى، بمسافة 21.80 متر، كما حصل على الميدالية الفضية في دورة الألعاب الآسيوية الـ 19 التي احتضنتها هانجتشو، المدينة الصينية، أكتوبر 2023.
9 يوليو 2024.. صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظة الله، على منح الجنسية السعودية لعدد من الرياضيين، الذين يُمثلون فرصًا واعدة لرفد المنتخبات السعودية في كثير من الرياضات المُختلفة، وكان تولو من ضمنهم.
«شعور لا يوصف.. أحمل جنسية البلد الذي ولدت ونشأت فيه.. تعلمت في مدارسه.. تدربّت في صالاته الرياضية.. اليوم يمنحني شرف تمثيّله ووضع علمه على صدري.. عاهدت نفسي بأن أرفع علم السعودية عاليًا في كل بقعة أرض أدخلها»، هكذا عبّر تولو عن شعوره بعد منحه الجنسية السعودية.
وأخيرًا حطّم البطل السعودي تولو رقمه السابق في «دفع الجلة» داخل الصالات، مسجلًا 20.28 متر، بلقاء Hvezdy b Nehvizdech في التشيك «فئة الفضة في الاتحاد الدولي»، إذ كان صاحب الرقم القياسي المسجل سابقًا أيضًا، الذي حققه العام الماضي في Miramas، بـ 20.11 متر.
تولو.. الشاب الطموح، لم يُغفل «شغفه» ولو للحظة، وانصاع له في أصعب أيامه مستمرًا في ممارسة هوايته، التي يُحبها حتى أنجز فيها ورفع علم بلاده عاليًا في عدد من المناسبات الرياضية.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق