إذا كان التاريخ ذاكرة الشعوب، فإن ذاكرة ترامب ونتنياهو انتقائيةٌ كاذبة، لا تذكر إلا ما يوافق هوى الطغاة، ولا تتقن إلا التناقض بين تهديدٍ أرعن واستجداءٍ مُهين. منذ أيام، نفش ترامب ريشه وأزبد وأرعد، مُهدداً حماس بنيران الجحيم إن لم تُطلق سراح الرهائن، وكأنَّه قيصرٌ في روما يوزع قرارات الحياة والموت بإشارة إصبعه. لكن، وبعينِ لا تُبصر إلا مصالحها، خرج علينا بالأمس وهو يبتسم ابتسامة الذليل، يتوسل، يهمس برجاءٍ خفيّ، طالباً من "حماس” أن تمنحه بارقة أمل، وأن تُفرج عن ستة رهائن أمريكيين "تقديراً لدوره” وكأنّه مُحسنٌ يُلقي بالفتات بعد مائدة الذئاب.
يا ترامب، أما كنتَ من أيامٍ قليلة تلوِّحُ بسياط جهنم؟ أما كنتَ تصرخ بلسان الجبارين أنك ستُرينا "الجحيم” إن لم تُطِعك المقاومة؟ فأيُّ جحيمٍ هذا الذي تحول إلى تسوُّلٍ خجول؟ وأيُّ وعيدٍ هذا الذي تهاوى أمام براعة الصمود؟ أظننتَ أن الحربَ تغتفر لأمثالك أن يتحدثوا من علياء الاستكبار ثم يعودوا إلى دَرَكِ المساومة؟ لا يا ترامب، الحربُ والسياسةُ ليستا كما خُيِّل إليك في مزاد رجال الأعمال، حيث الربحُ والخسارةُ تُحسبُ بالأرقام. هنا تُحسبُ المواقفُ بالمعدن الأصيل، ولا يُفلحُ فيها إلا أهل الثبات.
أما أنت يا نتنياهو، يا من جعلت دماء الأبرياء جسراً تعبر به إلى سراب أحلامك، فلن تجدَ في هذه الدنيا مخرَجاً من مأزقك، ولن تصوغ لك الأوهامُ نَصراً ولو صرخ أتباعك في الشوارع حتى بُحَّت أصواتهم. تدَّعي أنك تُقاتل "الإرهاب”، لكن الإرهابَ الحقيقي هو أن تستنجدَ بالعالم بعدما فشلت في ساحة المواجهة، وتظن أن الشعوب لا تفقه لُغةَ الضعف الذي يختبئ في عيونك. ما عاد ينطلي خداعُك، وما عادت أكاذيبُك تصمد أمام واقعٍ تتوالى عليه المفاجآت، كلّها تأتي ضدك، وكأنّ التاريخ يسخر منك علانيةً.
أخبار متعلقة :