أرض المملكة

نحو تحول الخطاب الإعلامي الأردني من ردة الفعل إلى الفعل - أرض المملكة

جو 24 :

نحو تحول الخطاب الإعلامي الأردني من ردة الفعل إلى الفعل

يعيش العالم اليوم في زمنٍ سريع التغيرات، حيث أصبحت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عنصراً مهماً في تشكيل الرأي العام وصياغة مواقف الشعوب والحكومات. وفي هذا السياق، نجد أن الخطاب الإعلامي الأردني بحاجة إلى تحول جذري، من مجرد ردود الأفعال إلى الفعل الذي يبني ويعزز السردية الوطنية الأردنية. نحن في حاجة إلى خطاب إعلامي يستند إلى الثوابت الوطنية الراسخة، ويعكس القيم الأردنية العميقة بأسلوب مهني عصري يتماشى مع متطلبات وتكنولوجيا المستقبل .

فالأحداث الأخيرة، وخاصة بعد لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وضعت الإعلام الأردني أمام اختبار كبير، فاللقاء الذي كان محط اهتمام واسع على الصعيدين الأردني والعربي، لاقى اهتماماً عالمياً أيضاً. لكن للأسف، ومع بعض الأخطاء في الترجمة على بعض القنوات الإخبارية العربية، تم تحريف بعض المعاني الجوهرية في حديث جلالة الملك، مما أدى إلى انتشار بعض الشكوك والتفسيرات المغلوطة على منصات التواصل الاجتماعي. هذه التفسيرات تم تداولها بسرعة، وتحولت إلى مادة للجدل، وما أبرز الحاجة الماسة الآن إلى استراتيجية إعلامية واضحة بمنظور ومقاربات أخرى.

إن الخلل الذي حدث بسبب الترجمة، الذي تسبب في نقل صورة مشوشة عن مواقف جلالة الملك، أظهر ضعفاً في طريقة نقل الرسائل السياسية الأردنية للعالم. كما أن الردود السريعة من وسائل الإعلام الأردنية لم تكن كافية للتصحيح الفوري للمغالطات التي ظهرت في الإعلام العربي والعالمي. ولذا، فإن الوقت قد حان لانتقال الخطاب الإعلامي الأردني إلى مرحلة جديدة من التأثير الفعال.

إن ما نحتاجه في هذه المرحلة هو بناء سردية وطنية أردنية قائمة على الثوابت والقيم التي تأسس عليها هذا البلد، ويجب أن يكون الخطاب الإعلامي مستنداً إلى مفاهيم عميقة، مثل الوحدة الوطنية، والاحترام المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع الأردني، والمواقف الثابتة في قضايا المنطقة. هذه السردية يجب أن تُعرض بأسلوب عصري يتماشى مع تطورات العصر، بحيث تكون قادرة على محاكاة المستقبل والتفاعل مع تحدياته.

ومن المهم أن يتسم هذا الخطاب بالاحترافية العالية، بحيث يكون قادراً على الوصول إلى جميع الأطياف المحلية والإقليمية والدولية. ويجب أن تكون وسائل الإعلام الأردنية قادرة على تقديم صورة دقيقة وعميقة عن مواقف الدولة الأردنية، بعيداً عن التفسيرات المغلوطة أو الردود العاطفية، وهناك محاولات هنا وهناك من بعض الوسائل الاعلامية لتقديم سردية أردنية قادرة على التأثير على الجمهور الداخلي، ولكن تبقى محدودة إذا لم يكن هناك استراتيجية وعقل جمعي.

ولا يمكننا الحديث عن تطور الخطاب الإعلامي الأردني دون أن نأخذ في الاعتبار ضرورة التخطيط الاستراتيجي للإعلام والخطاب السياسي، فإن هذه الاستراتيجية يجب أن تكون شاملة، ومتعددة الأبعاد، بحيث تتناسب مع السياقات الداخلية، الإقليمية والدولية. وتحتاج هذه الاستراتيجية إلى تحليل عميق للسياسات المختلفة وتأثيراتها على المدى الطويل، سواء على المستوى المحلي أو على مستوى العلاقات الدولية.

كما أن هناك ضرورة ملحة للاستعانة بمراكز دراسات محلية، عربية، ودولية ذات خبرة عالية. هذه المراكز تستطيع أن تقدم تحليلات معمقة للمواقف السياسية والإعلامية، كما يمكنها الاستقراء والاستشراف لتوجهات المستقبل، وبالتالي المساهمة في صياغة خطاب إعلامي يتسم بالقدرة على التفاعل مع الأحداث بشكل فعال. وهناك مراكز دراسات محلية فاعلة وتحاول أن تقدم توجهات ومسارات سياسية للتفاعل مع الأحداث الداخلية والاقليمية والدولية، يمكن البناء عليها إعلاميا، لكن تحتاج إلى إيمان أكبر بدورها وتحتاج إلى دعم إداري ومالي.

إن الأبعاد المختلفة لهذه الاستراتيجية الإعلامية تحتاج إلى تكامل وتناغم بين جميع المحاور ذات العلاقة: الفاعلون السياسيون والإعلام، والسياسات، والدراسات الاستراتيجية. كل من هذه المحاور يتطلب كوادر مدربة وذات خبرة عالية، بحيث يعمل الجميع بتناغم، ويتعاونون معاً لتحقيق هدف مشترك. ويجب أن تكون هذه الفرق متقنة لما تفعله، وتعمل وفق مسارات واضحة ومؤشرات أداء تقيس نجاحها في توصيل الرسائل الوطنية بشكل فعال.

وعليه يجب أن ننتقل إلى مرحلة جديدة في الإعلام الأردني، حيث يصبح هو المصدر الرئيسي للفعل وليس مجرد ردة فعل. وأن نكون في الطليعة، لا فقط في استجابة للأحداث، ولكن في المبادرة إلى تشكيل الصورة السياسية والإعلامية التي نريد أن نراها في العالم. وهذا يتطلب تغييرات استراتيجية، وتعاوناً بين مختلف القطاعات، ودعماً متكاملاً من مراكز الدراسات والخبراء في المجالات المختلفة. فهذا هو الطريق نحو تعزيز السردية الأردنية بشكل مهني وعصري، وتحقيق النجاح في توصيل الرسالة الأردنية داخلياً وعالمياً. وائل منسي

أخبار متعلقة :