أرض المملكة

‎الملك عبد الله الثاني.. موقف دبلوماسي حاسم في مواجهة ضغوط الترحيل من غزة إلى الأردن - أرض المملكة

جو 24 :

 ‎في المشهد السياسي المعقد للشرق الأوسط، يواجه قادة المنطقة العربية تحديات صعبة فرضتها التعقيدات السياسية الاقليمية والدولية وتبعات حرب غزة وهي تتعلق ايضا

‎ بالمصالح الوطنية والمبادئ الأخلاقية. هذا ما تجلى في اجتماع الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 11 فبراير 2025 في البيت الأبيض، حيث طُرحت قضية ترحيل سكان غزة إلى الدول المجاورة، بما في ذلك الأردن، كجزء من رؤية أمريكية لإعادة تطوير القطاع. ومع ذلك، تعامل الملك مع هذا الطرح بحكمة دبلوماسية متقنة، متمسكًا بمبادئ الأردن الوطنية ومصالحه الاستراتيجية.

‎خلال الاجتماع في المكتب البيضاوي، عرض الرئيس ترامب رؤيته حول تحويل غزة إلى منطقة مزدهرة عبر نقل سكانها إلى الأردن ومصر. وأعرب عن ثقته في أن هذه الدول ستوافق على استقبال الفلسطينيين النازحين. إلا أن الملك عبد الله، الذي جلس بجانبه، أبدى هدوءًا لافتًا أثناء الاستماع إلى الطرح، حيث أكد على أهمية النظر إلى القضايا الإقليمية من منظور أوسع، مشيرًا إلى أن الدول العربية تعمل على بلورة مقترحاتها الخاصة لحل الأزمة. لقد كانت هذه مقاربة ذكية أتاحت له التعامل مع الموضوع دون تقديم أي التزامات قد تتعارض مع المصالح الوطنية الأردنية.

‎وبهدف التأكيد على التزام الأردن بالجانب الإنساني دون الانخراط في مشروع الترحيل، أعلن الملك عبد الله عن مبادرة لاستقبال 2000 طفل مريض من غزة للعلاج في المستشفيات الأردنية. وقد شكل هذا القرار رسالة قوية على عدة مستويات: فقد وفر إغاثة فورية للأطفال المحتاجين، وأظهر ريادة الأردن في الجهود الإنسانية، كما أتاح له تقديم مساهمة ملموسة دون الانخراط في المخطط الأوسع لإعادة التوطين.

‎لقد لاقت هذه الخطوة إشادة من الرئيس ترامب، الذي وصفها بأنها "رائعة" و"جميلة"، مما ساعد على تحويل النقاش عن الأجزاء الأكثر إثارة للجدل في مقترحه.

‎بعد الاجتماع، لجأ الملك عبد الله إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوضيح موقف الأردن الراسخ، مؤكدًا رفض المملكة القاطع لأي محاولات لترحيل الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية. كما شدد على ضرورة إعطاء الأولوية لإعادة إعمار غزة بدلاً من تهجير سكانها، ولفت الانتباه إلى الوضع الإنساني المتدهور هناك. لقد عزز هذا البيان العلني موقف الأردن أمام الرأي العام المحلي والدولي، وأكد التزامه بالموقف العربي الموحد.

‎لم تكن هذه المهمة سهلة، فقد كان الملك عبد الله يدرك أن الضغوط الأمريكية قد تتخذ أشكالًا مختلفة، بما في ذلك التهديد باستخدام المساعدات الاقتصادية كوسيلة للضغط. إلا أنه تمكن من الوقوف بثبات أمام هذه التلميحات، محققًا توازنًا بين المصالح الوطنية الأردنية والعلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، ما أكد سيادة الأردن واستقلالية قراره السياسي.

‎لقد أثبت الملك عبد الله الثاني في هذا اللقاء أنه قائد يتمتع بحنكة سياسية ودبلوماسية عالية. فمن خلال مزيج من الحوار الهادئ، والمبادرات الإنسانية الاستراتيجية، والموقف الوطني الحازم، استطاع أن يتعامل مع قضية حساسة دون التنازل عن مبادئ الأردن. هذا الموقف لم يحفظ فقط المصالح الأردنية، بل عزز دور المملكة كدولة عربية مسؤولة تدافع عن الحق الفلسطيني وترفض أي حلول تأتي على حساب استقرارها وهويتها الوطنية.

 

أخبار متعلقة :