يجد الأردن نفسه عند مفترق طرق حاسم مع تصاعد الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على البلاد بشأن مستقبل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وباعتباره واحدًا من أكثر الدول استقرارًا في المنطقة، لطالما لعب الأردن دورًا رئيسيًا في الدبلوماسية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن المقترحات الأخيرة التي قدمتها الولايات المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني تهدد بزعزعة الاستقرار الداخلي للأردن ومكانته الإقليمية.
أحد أكثر التحركات المثيرة للجدل من قبل إدارة ترامب هو دفع الأردن لقبول الفلسطينيين المهجرين من غزة. فقد اقترح ترامب إعادة توطين الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن ومصر، كجزء من خطة أوسع لإعادة تشكيل المنطقة.
بالنسبة للأردن، يعد هذا الاقتراح مقلقًا للغاية. فالبلاد تستضيف بالفعل ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إليها منذ حرب 1948. واستيعاب المزيد من النازحين من غزة لن يرهق موارد الأردن فحسب، بل قد يهدد أيضًا التوازن الديموغرافي والسياسي الدقيق في المملكة.
لا تقتصر تحديات الأردن على غزة فقط، بل تمتد إلى سياسات إدارة ترامب تجاه الضفة الغربية. فمن الناحية التاريخية، كانت الضفة الغربية تحت السيادة الأردنية حتى احتلتها إسرائيل عام 1967. واليوم، لا يزال الأردن يتمتع بدور رسمي كوصي على المقدسات الإسلامية في القدس، مما يجعل أي قرارات تتعلق بالضفة الغربية مسألة حساسة للغاية.
وكان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، وما تبعه من "صفقة القرن"، قد أثار معارضة قوية من قبل الأردن. فقد انحازت الخطة بشكل كبير إلى المصالح الإسرائيلية، وتجاهلت طموحات الفلسطينيين في إقامة دولتهم، ما أثار مخاوف من أن يُمارس ضغط إضافي على الأردن لتحمل مسؤوليات أكبر تجاه الفلسطينيين، مما يزيد من تعقيد استقراره الداخلي.
عبّر الملك عبدالله الثاني بوضوح عن رفضه لمقترحات ترامب. وقد شدد باستمرار على أهمية حل الدولتين، مع اعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.
ومؤخرًا، وجه ترامب دعوة للملك عبدالله لزيارة البيت الأبيض لمناقشة القضية. إلا أن الأردن ظل متمسكًا بموقفه، رافضًا توطين الفلسطينيين كبديل عن حقهم في إقامة دولتهم المستقلة. وقد وضع هذا الموقف عمّان في موقف صعب، خاصة أنها تعتمد بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأميركية.
قد تؤدي الضغوط المستمرة من واشنطن إلى تداعيات خطيرة على الأردن، منها:
الاضطرابات الداخلية: قد يؤدي قبول المزيد من اللاجئين الفلسطينيين إلى تفجير التوترات السياسية الداخلية، حيث يخشى العديد من الأردنيين أن يؤثر ذلك على التوازن السكاني في المملكة.
توتر العلاقات مع الولايات المتحدة: رغم اعتماد الأردن على المساعدات الأميركية، فإن رفضه لمطالب ترامب قد يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية ومالية سلبية.
تصاعد التوترات الإقليمية: يتماشى رفض الأردن لخطة ترامب مع مواقف العديد من الدول العربية الأخرى المعارضة لها، مما قد يؤدي إلى تغييرات في التحالفات الإقليمية.
يواجه الأردن واحدة من أصعب التحديات الدبلوماسية في ظل إدارة ترامب. فالضغوط لاستقبال الفلسطينيين من غزة، بالإضافة إلى عدم اليقين المحيط بالضفة الغربية، وضعا المملكة في موقف حساس. ويعكس موقف الملك عبدالله القوي الداعم لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم التزام الأردن الطويل الأمد باستقرار المنطقة، لكنه في الوقت نفسه قد يعرّض علاقاته مع واشنطن للتوتر.
ومع استمرار ترامب في دفع رؤيته للشرق الأوسط، سيكون على الأردن أن يتحرك بحذر، موازنًا بين علاقته بالولايات المتحدة وحماية مصالحه الوطنية ودوره الإقليمي.
أخبار متعلقة :