نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في وداع الاستاذ - أرض المملكة, اليوم الجمعة 31 يناير 2025 07:04 مساءً
إن فضل جبريل علي عدد من الأجيال يحتاج لرصد منهجه الذي اعتمد علي المحبة والدعم وتجديد الدافع نحو الكتابة. لقد كان كشافا عظيما للموهوبين. ولم يكتف باكتشافهم لكنه أوجد لعدد منهم فرصا للعمل في المؤسسات الصحفية والثقافية. أنا واحد منهم. بيني وبين جبريل حكايات وحكايات لكن أجمل حكاياته أنه علمنا المثابرة والمحبة ونكران الذات والوقوف مع من يحتاجوننا. لن
تصدقوا أن أهم وأحب صداقاتي هي من تكون ندوته. رحم الله الكاتب الكبير. الأب محمد جبريل الذي بكيته أبا عظيما ورجلا راهبا لم يترك لحظة في حياته للعب أو النميمة أو سرقة اللقطة أو الدور. بل عاش حياته كشجرة مثمرة تسعد بإطعام كل عابر علي أغصانها. ومده بالظل ومسه بالخضار. مع السلامة يا عمنا الحبيب.
الأب والمعلم
يسري حسان
إذا كان هناك صاحب فضل. بعد الله سبحانه وتعالي. علي العبد لله. فهو استاذي ومعلمي وأبي الروحي محمد جبريل. ليس علي فحسب بل علي العشرات وربما المئات من الأدباء والكتاب الذين يتصدرون الساحة الأدبية الآن.
بعيدا عن عطائه الأدبي. الذي يحتاج إلي مؤسسة كاملة من النقاد والباحثين للكتابة عنه. فقد لعب الروائي الكبير محمد جبريل دورا تاريخياً. مهماً ورائدا. في تقديم وتبني مواهب جيلي الثمانينيات والتسعينيات من الشعراء والروائيين وكتاب القصة والنقاد. من خلال ندوة المساء. التي جمعت كل هؤلاء. وكان يفرح ويحتفي بكل موهبة شابة ويقدمها إلي القراء من خلال الصفحة الأدبية بالمساء.
واذا كان الفضل في تقديم أدباء الستينيات يعود إلي الراحل الكبير عبد الفتاح الجمل. من خلال جريدة المساء العريقة. فإن الفضل في تقديم الأجيال اللاحقة يعود إلي محمد جبريل وحده من خلال المساء أيضا.
لم يقتصر دوره علي تبني رواد الندوة الذين كانوا يفدون إليها من كل أقاليم مصر. بل امتد ليشمل كل أولئك الذين تحول أماكنهم البعيدة دون حضورها. دون أن تكون هناك معرفة شخصية بينه وبينهم. كان يقول دائما إن طابع البريد هو الذي يربطني بهؤلاء الموهوبين.
لم يكن محمد جبريل منتميا إلي شلة تروج له. وربما ذلك ما عرضه للظلم النقدي والإعلامي علي مدي سنوات كثيرة. وغيبه عن تصدر مقدمة أدباء جيله. لكنه رغم ذلك لم يهتم. ولم ينشغل بغير الكتابة التي مارسها حتي آخر يوم من عمره. حتي عندما تم ترشيحه لجائزة الدولة التقديرية. ولأنه لا يجيد التربيطات ولم يستغل مكانته كصحفي يوماً ما. تم تجاهله ومنحها لمن هم أقل منه قيمة وقامة. حتي نالها في أواخر حياته.
كنت من رواد ندوته الأدبية أوائل الثمانينيات. ولم أكن أخطط لأي شيء في حياتي. ولم يخطر ببالي يوماً أن أعمل بالصحافة. لكنه طلب مني الانضمام إلي العمل معه في القسم الأدبي بالمساء. لتوسمه في قدرة علي القيام بهذه المهمة. قلت له " ماليش فيه" فقال لاتحمل هما وتوكل علي الله. أنا بجانبك وأنت لديك الاستعداد. فتوكلت وعملت معه. وتعلمت علي يديه واستفدت الكثير من خبراته. ووجهني إلي قراءة مئات الأعمال. وكان بيته مفتوحاً لي دائما. فضلاً عن جيبه بالطبع. فهو لم يكن لي معلما واستاذا فحسب بل كان أيضا أبا كريما وراعيا وحنونا.
ربما لو لم تتح لي فرصة لقاء الاستاذ والتعلم علي يديه. ماتحقق لي أي وجود أدبي أو صحفي. وإن كنت لا أعرف حتي الآن هل كان ذلك خيراً للأدب والصحافة. أم أن الأستاذ والاب والمعلم يتحمل ذنب انتمائي إليهما..غفر الله له في الحالتين.
مين اللي ميحبش جبريل؟
حاتم رضوان
أستطيع أن أطلق علي الأستاذ محمد جبريل راهب الأدب عاش من أجل الكتابة.. الكتابة فقط أذهب إليه فأراه جالسا إلي مكتبه أمامه شاشة الكومبيوتر يكتب مقالا أو يكمل قصة أو رواية وظل لآخر لحظة في حياته يقرأ ويكتب. لم ينتمِ لجماعة أو شلة. أعماله هي ما تقدمه. أزعم أنه يملك مشروعا أدبيا تمتد خيوطه في معظم رواياته وقصصه القصيرة سواء علي مستوي المكان أو المضمون. نلمس فيها رائحة المقاومة بأشكال مختلفة.
تعود معرفتي بالأستاذ جبريل لمنتصف الثمانينات في ندوته بالمبني القديم لجريدة المساء وأدين له بتشجيعي في أول طريق الكتابة وأول من نشر لي قصصا قصيرة في صفحته بجريدة المساء مثلي مثل معظم أبناء جيلي ممن يشار إليهم الآن بالبنان.
الأستاذ جبريل هو الأب الروحي لجيلي ولأجيال متعاقبة من بعدنا واستمرت علاقتنا طوال أربعين سنة لم تنقطع حتي أيام قليلة من رحيله. امر عليه من فترة لأخري نتكلم ونتناقش في الأدب وأمور الحياة. ويعرض علي بفرح آخر مل كتب. وأعتقد أن لديه علي ذاكرة الكومبيوتر أكثر من خمس روايات جديدة أتمني أن تجد سبيلها للنشر عرفانا لما قدمه للمكتبة والثقافة العربية لأنه لم يسع يوما للنشر. عاش مترفعا. أتذكر كلماته عندما أقول له أن هناك دار ما للنشر تقدم إليهم بالرواية يقول لي هم من يسعون إلي ويطلبون مني العمل أنا لا أسعي لأحد.
أعمال جبريل الإبداعية الغزيرة واسهاماته النقدية والثقافية تقدم نفسها وغنية عن التعريف لكن علاقاته الإنسانية وتواصله مع الجميع وكرمه وأياديه البيضاء علي الجميع كانت من أهم خصاله .. الكل يجمع علي محبته وإنسانيته. ظل بيته مفتوحا للأصدقاء حتي آخر يوم في حياته.
محمد جبريل
عادل ضرغام
محمد جبريل الروائي الكبير ليس مؤثرا بأعماله الروائية والقصصية. لكنه مؤثر أيضا بسلوكه الإنساني. ومساحة تفاعله مع المثقين والكتاب والأدباء. فقد أتاحت لي الظروف الاقتراب منه في بداية التسعينيات من القرن الماضي بعد تخرجنا من الجامعة. فقد كانت ندوته (ندوة المساء) المتنفس الأول لشباب يحاولون البحث لأنفسهم عن مكان أو موطن قدم. فقد جعل هذه الندوة أشبه بالورشة مساحة مهمة للتعلم. ففيها لكل من حضر الحق في أن يقول ما يريد. وله أن يجرّب وجوده من خلال عرض أفكاره. وله الحق أن يصيب وأن يخطئ ويجاوز الصواب. فقد تمثلت طريقته في الإنصات إلي الجميع دون تفريق أو تراتبية. وأعتقد أننا جميعا أفدنا من هذه الندوة في بداياتنا. لأنها أزالت الرهبة والخوف من نفوسنا. وذلك من خلال توفير مساحة للمرور بالتجربة دون خوف.
وإذا كانت ندوته كشفت عن إنسانيته العظيمة في احتواء الجميع. والتعامل معهم في شكل من الحب. فإن أعماله الأدبية تجعله واحدا من كتّاب الطبقة الأولي. فله إسهامات مهمة في الكتابة السردية والقصصية. ويمكن التوقف في هذا السياق عند "رباعية بحري". فقد قدم من خلالها فنا صافية. وطرح تساؤلات خاصة حول الإنسان ووجوده الهش الموزّع بين نقيضين المحدودية والنقصان والنزوع نحو الكمال. فرباعيته التي تضم "أبو العباس". و"ياقوت العرش". و"البوصيري". و"علي تمراز" تؤسس كتابة روائية تجرح حدود النوع. فهناك مساحة من الهجنة بين الرواية والقصة القصيرة. وفيها يعني بالإنسان. وإشكالياته. ووجوده المحسوم سلفا بالتلاشي والانتهاء.
انشغال محمد جبريل بالإنسان ونزوعاته وأسئلته القلقة. جعله يعود إلي التاريخ في رواياته كثيرا. يعاين مساحة الحركة والتوجه. مثل (ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله). ولديه اهتمام خاص بالمكان. وخاصة مدينة الأسكندرية التي ظلت مكانا مهيمنا في رواياته. بالإضافة إلي عدد كبير من الدراسات النقدية.
أبي الروحي
صفاء عبد المنعم
تعرفت عليه في بداية الثمانينات عندما كان يعقد ندوة المساء كل يوم أربعاء في المبني القديم. وربما كنت من أوائل رواد الندوة.
يومها سرت من ميدان رمسيس حتي المبني القديم وأنا شابة في العشرينيات لم تتعود قدماها بعد علي الزحام. ولكن كان هناك دافع مهم يدفعني تجاه المعرفة. وربما تكون أول مرة احضر ندوة خارج نطاق شبرا الخيمة وندوة مركز شباب المنشية الجديدة.
كنت في هذه الوقت أملك مجموعة قصصية طباعة مشتركة (حكايات الليل ) ولكن في الندوة تعرفت علي إبداعات مختلفة من الحاضرين وكانت الندوة تشبة الورشة بشكل جاد فكل نص كان يكتب كان يعتبر نقلة حقيقية. وكان يحضر العديد من الزملاء الذين هم الآن في صدارة المشهد الثقافي.
ولا أنسي يوم ارتبطت أنا والشاعر مجدي الجابري في عام 88 أحضر صندوق بيبسي وقام بتوزيعه علي الزملاء تحية منه لنا. كان يعتبر الجميع أبناءه ويترك لنا حرية الرأي وحرية النقد ولا يفرض رأيه أو سلطته علي أحد هو فقط كان يدير الندوة كحركة تنظيمية.
ولن أنسي أبدا يوم طبعت مجموعة (تلك القاهرة تغريني بسيقانها العارية) وعندما سألني من تحبين حضوره من النقاد للمناقشة طلبت منه الأستاذ إبراهيم فتحي رحمة الله عليه..لم يعترض بالعكس وافق وبشدة وقال سوف يأتي الأستاذ إبراهيم فتحي إلي ندوة المساء وعلي مسؤليتي الشخصية. وكان ابراهيم فتحي ممنوعا وقتها من كل المؤسسات الرسمية. وبالفعل حضر الأستاذ إبراهيم وكانت ندوة رائعة.
ولن ننسي أبدا كوب الشاي الذي كان يوزع علينا جميعا مهما كان عدد الحاضرين. وكانت ندوة المساء يحضرها معظم شباب الكتاب من جميع المحافظات.
وفي عام 99 عندما مرض مجدي الجابري ودخل معهد الأورام لن أنسي أبدا متابعة وحضور الأستاذ محمد جبريل إلي المستشفي ومقابلة الطبيبة المعالجة حتي يتعرف علي الحالة. وكانت يأتي إلي البيت ومعه د. زينب العسال ويقول لي جملته الطيبة: أنا أبوكي لو عايزة أي حاجة قوليلي.
فعلا هو أب روحي لنا جميعا ليس في الإبداع فقط ولكن في الحياة أيضا تعلمنا منه التعامل بالود والأحترام. وأن نحترم الآخر مهما أختلفت وجهات النظر بيننا.
رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته
غير مسار حياتي
د.ناهد الطحان
الكاتب والصحفي الكبير الأستاذ محمد جبريل رحمه الله تعرفت عليه منذ أكثر من ثلاثين عاما حين كنت طالبة في كلية التجارة جامعة عين شمس وعضوة في ناديها الأدبي. عندما فاجأني الشاعر الكبير عماد غزالي بأن قراءتي التي قمت بكتابتها لديوانه "أغنية أولي" الفائز ذلك العام بجائزة سعاد الصباح الكويتية قد نشره الأستاذ محمد جبريل في الصفحة الأدبية في جريدة المساء التي كان يشرف عليها آنذاك. فشعرت بسعادة غامرة فقد كانت أول مقالة كتبتها في حياتي وتعجبت أن ينشر لي الكاتب الكبير محمد جبريل دون معرفة سابقة. وعندما تشجعت وقمت بزيارته لأشكره في مكتبه في المبني القديم لدار التحرير وجدته انسانا متواضعا متفائلا وقال لي بكل بساطة : المقال عجبني فقمت بنشره. حينها تعرفت ولأول مرة في حياتي علي معني الأب والمعلم الروحي. الذي يدعم ويشجع في وقت كنت استكشف فيه قدراتي. ودعاني لمتابعة ندوته الأسبوعية في نقابة الصحفيين التي كان يأتيها الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي من كافة ربوع مصر. والتي كانت مدرسة أدبية وفكرية لكل مرتاديها. والذين يشكلون الأن نخبة المثقفين والأدباء في مصر. ولم يخطر علي بالي وقتها أن يغير الأستاذ محمد جبريل بهذا مسار حياتي بأكمله.
نعم هذا الرجل كان له الفضل الأول بعد الله في أن اتجه للكتابة الصحفية والأدبية وأن ألتحق بمعهد المسرح وأدرس النقد والدراما.بعد أن شجعني علي الإستمرار في الكتابة. فقد علم أبناءه أن علينا أن نتأهب للكتابة وأن نستعد بالقراءة والمعرفة. فقد كان قارئا نهما لايمل من القراءة والكتابة يوميا حتي في آخر أيام حياته. وكنت علي اتصال به خلال الأيام الماضية حيث أخبرته بأنني نشرت مقالا نقديا عن روايتيه نجموحي دفي الأفق وسفينة الجزايرلي وأوصاني أن أزوره وأحضر الكتاب معي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته فقد كان حريصا علي المتابعة النقدية لأعماله. لقد فقدت مصر مبدعا وصحفيا كبيرا وأعماله الأدبية والنقدية باقية تشهد بعشقه لكل جزء فيها. ومسيرة حياته درسا كبيرا لكل مثقف له دور ورأي. وأتمني أن تبادر الجهات الثقافية الرسمية بإطلاق اسمه علي احدي الجوائز الأدبية تكريما له.
الروائي المبدع
د.عبدالكريم الحجراوي
بدأت علاقتي بالمبدع محمد جبريل منذ نحو عام من قبل بالمصادفة البحتة حين وجدت روايته "مدينة ليست من الدنيا" ضمن سلسلة أخبار اليوم. وفوجئت بسيرة شخصية "مرعبة" سواء تضم عشرات الأعمال الإبداعية في الرواية والقصة القصيرة. بالإضافة إلي الكتب النوعية الأخري. والرسائل العلمية التي أجريت حول أعماله. تشابك مع بعضها نقديًّا أستاذي أحمد شمس الدين الحجاجي. ثم شرعت في قراءة الرواية التي جعلتني أبحث أكثر وأكثر عن تاريخ الرجل الذي لم أكن أعرفه. وتصادف بعد ذلك أن كنت في ندوة في نادي القصة بها مجموعة الكتاب فأخبرتهم باكتشافي الخاص الذي قادتني إليه الصدفة وفوجئت يومها بأمرين منهم الأول: اتهامي بالتقصير والثاني: بدأ يحكي كل شخص منهم عن تاريخ الرجل المهم في الحركة الثقافية. وأخذ كل واحد منهم يحكي عن أفضال الرجل عليهم علي المستوي الأدبي أو الإنساني قصص تهز النفوس من نبل صاحبها. فقلت لهم وقتها أن الرجل عرفته من خلال عمل روائي صادر عن سلسلة أخبار اليوم لم يكتب عنه خبر واحد في الصحافة هو من هو الصحفي والمبدع الكبير. والأمر الآخر أني أقمت في القاهرة من 2012 في فترة كان علي ما يبدو أن نشاط الرجل الثقافي لم يعد كما كان في العقود السابقة.
فلي عذري في أني تعرفت علي منجزه متأخرًا لأن تلاميذه لم يهتموا حتي بنشر أخبار علي المواقع الإلكترونية أو علي صفحاتهم علي الفيس بوك تنوه بأحدث أعماله وتدعو الشباب للاطلاع عليها.
في اليوم التالي لتلك المناقشة نشر مقالي عن رواية "مدينة ليسن من الدنيا" في جريدة "إندبندنت عربية" وما زال المقال هو الوحيد المنشور عن الرواية في عالم الشبكة العنكبوتية. وأسعدني وقتها حفاوة الناقد والشاعر والصديق يسري حسان بالمقال وأطلعني عن سعادة محمد جبريل بما كتبته. ثم بدأ التواصل بيني وبين الراحل لمشاريع علمية أنوي القيام بها خاصة في تلك الأعمال التي جمعت بينه وبين شمس الدين الحجاجي.
في الأخير إن بقي لي شيء أقوله فهو عتابي الكبير علي تلاميذ محمد جبريل في الصحافة والإعلام وفي عالم الإبداع علي تقصيرهم في توصيل صوته إلي الأجيال الجديدة لكن يظل عزائي أن الإبداع الجيد هو خير دعاية لنفسه وإن خذلك الأقربون.
جبريل رسول المحبة لم يكذب الرسالة
مختار عيسي
لعله وهو يهاتفني في السادس عشر من يناير الجاري كان يشعر بحنين ما لرجال كان يدرك. بفطرته النقيه ونصاعة روحه. أنهم من الذين لايتنكرون لمعروف ولايجحدون فضلا. وكان يريد التأكيد علي أن من أدرك أن رسالة الأدب الأسمي هي تحقيق إنسانية الإنسان. لا السعي وراء اللافتات والصور التذكارية. ولعله أدرك ارتجافة قلبي وهو يهاتفني لمرة ثانية خلال العام بعد سنوات طويلة مرت علي لقائنا الهاتفي أيضا خلال العام 1995 أو 1996 إن لم تخني الذاكرة بعد أن انقطع اللقاء الشخصي معه في صحيفة المساء التي جعل منها ملتقي للحبة من موهوبي مصر. يرفق بهم صغارا ويزهو بهم وقد استطاع عدد كبير منهم أن تكون لهم إصداراتهم الخاصةالتي تزاحم من كانوا كبارا.
قال لي : أنا محمد يامختار. أعتقد أن "زينب ". يقصد الغالية "د. العسال "قد أعطتك رقمي. أنا لن أتأخر عنك في أي طلب. لكنني الآن أعاني بعض التعب أردعو الله أن يزول لأسعد بك وبكل أدباء المحلة التي أوحشتني . وإن شاء الله أزوركم قريبا.
لم تكن رسالة الهاتف لتكذب كما لم يكذب " جبريل " علي نفسه ولا علي من عرفوه مرة . فلم أعهده إلا صادقا محبا للجميع » لذا أحبه الجميع. ولم تكن لدي أية فرصة لإخفاء ارتجافة لعلها كانت خشية الفراق. فبعد أن أكدت له أنه صاحب فضل وأن أحدا لن ينساه. عادت بي الذاكرة إلي حديث سابق وهو يمازحني قائلا: التليفون ريحته جاز يامختار. في إشارة لعملي في الكويت.
أيها الحبيب. كم لي معك وكم لك معي من مواقف. ونحن نتحلقك في ندوة المساء. وكثير من روادها صاروا نجوما الآن.وأنت بتواضعك الجم تربط علي مواهبنا. وتربط بين قلوبنا. وأنت تنثر بسماتك التي كنت أراها تخفي دمعا يجاهد للفرار من أسر عينيك اللتين لم تفلح كل محاولاتك في إخفائه. وأنت تتلو علينا بعضا مما تراه زادا للرحلة التي كانت قدرا لكل منا. وخضت والراحل الكريم "محسن الخياط " بين أمواج الوطنية والسياسة والفن والأدب دون استعلاء أو اكتفاء باللقطة وكنتما تريان كلا منا زميلا قبل أن يكون باحثا عن فرصة نشر. فحق لكما أن تظلا في قلوب المخلصين من أدباء مصر بصورة عامة وأدباء المحلة بصورة أخص.
كم فجعني رحيلك وأنا الذي كنت أهيئ نفسي لزيارتك لتري "مختار" الذي لاينسي رهانك أمام حضور الندوة عليه وأقول لك يا جبريلنا لم تكذبنا الرسالة فلم نخنها وقد صدقناك. وما أقل الصادقين في مشهدنا الثقافي الآن.
سأحكي يوما جانبا من لقاءاتنا وما أثرته معنا من قضايا. وما شاركناك فيه. وكنا لانزال نراك قادرا علي العطاء الصادق المحب.
تغمدك الله بواسع رحمته وأنزلك ماتستحقه جزاء لعطائك لأحبابه. الذين يدعونه أن نكون علي قدر الوفاء لك محبة وامتنانا وصدقا بصدق.
سأكتب لنفسي يا أستاذ
أحمد معوض
- مساء الخيرات يا دكتور زينب
- مساء النور يا أحمد. ازيك. وأخبار المدام إيه؟
- الحمد لله كله تمام. يا تري أخبار أديبنا الكبير إيه؟ وأخبار "العميد" إيه؟
تضحك وترد:
- بخير الحمد لله. والعميد في انتظارك تشرفنا.
كانت تلك هي المكالمة الصغيرة التي اعتدت أن أجريها مع الدكتورة زينب العسال قبل ساعة من إقبالي علي زيارة كاتبنا الكبير وأديبنا القدير محمد جبريل الذي رحل عن دنيانا ونكتب هذه السطور في وداعه.
أما العميد. فهو البن الذي تكرمني دكتورة زينب زوجة كاتبنا وصديقنا الراحل بإعداده لي خلال زياراتي القصيرة لهما في منزلهما بحي مصر الجديدة علي مدار السنوات العشر الماضية. وأما أسباب الزيارة. فهي لتفريغ شحنة الطاقة السلبية بداخلي واستبدالها بأشعة من الطاقة الإيجابية وروح التفاؤل والإقبال علي الحياة من أستاذ جبريل.
كان أستاذنا الراحل دائما منشغلا بثلاث أشياء: القراءة من كم كبير من أوراق الصحف والكتب المتراصة حوله في كل شبر من الشقة. والاستماع إلي نشرات الأخبار في التلفزيون. وأخيرا الكتابة. الكتابة بالقلم. ثم علي الآلة الكاتبة. ثم علي الكمبيوتر. جو مفعم بسحر الأدب والمقالات والعلم والمعرفة. "بيت أديب".
كنت أذهب إليه أشتكي حالي وأقول له: ما عاد لي مكان أكتب فيه أو إليه. فيرد: "أكتب لنفسك".
ويستكمل: أنا أكتب طوال الوقت. لا يشغلني متي أو أين سيُنشر ما أكتب. الكتابة بالنسبة لي هي غاية في حد ذاتها. أكتب لنفسك كما أكتب لنفسي. وعندما يجيء موعد النشر. ستفتح لك أبواب ما كنت تعلمها.
ثم يهديني رواية من تأليفه. تحية منه لي. وأنصرف بعدها بعدما تجدد الأمل بداخلي مرة أخري بعد سماع كلمات "العميد". ليس البن هذه المرة. ولكن هو عميد الأدب والصحافة بالنسبة لي ولكثير من تلاميذه.
مرة وحيدة قبل هذه المرة كتبت فيها عن أديبنا الراحل وكانت مقالة بعنوان: "بوح جبريل". وكانت تفنيدا لروايته "مقصدي البوح لا الشكوي". وهي من أكثر الروايات التي استمتعت بقراءتها علي مدي حياتي. فعلي الرغم من مرارة ألم المرض الذي ألم به. لكنه حوله إلي طاقة وأدب. فخرج في صورة رواية بديعة.
رحم الله أستاذنا الراحل. وألهم الدكتورة زينب وكل محبيه الصبر علي فراقه. وإن رحل جسده فكتاباته وأدبه باقون.
أخبار متعلقة :