شهد اللقاء الأخير بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثاني في البيت الأبيض بتاريخ 11 فبراير 2025 أجواءً متوترة، حيث برزت خلافات جوهرية بين الجانبين، لا سيما بشأن مستقبل القضية الفلسطينية ومقترح ترامب لإعادة إعمار غزة.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع، بدا الملك عبدالله الثاني متحفظًا، في حين أطلق ترامب تصريحات مثيرة للجدل، أبرزها تلميحه إلى إمكانية تهجير الفلسطينيين إلى دول مجاورة، وهو ما يتعارض تمامًا مع الموقف الأردني الراسخ الرافض لأي شكل من أشكال التوطين القسري. ورغم محاولة بعض وسائل الإعلام، مثل "رويترز"، تصوير اللقاء وكأنه شهد تقاربًا، فإن الواقع يؤكد تمسك الأردن بموقفه الثابت: "الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين".
كان رفض الملك عبدالله الثاني لمقترحات ترامب واضحًا، سواء خلال المؤتمر الصحفي أو أثناء اللقاء نفسه، وهو ما كان قد يدفع ترامب إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا، مما قد يؤدي إلى توتر حاد في العلاقات الثنائية. ومع ذلك، يدرك الأردن أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تقدم له مساعدات سنوية تتجاوز 1.5 مليار دولار، منها نحو 850 مليون دولار تدخل مباشرة في خزينة الدولة. ولذلك، ورغم الغضب والقلق الذي بدا في عيني الملك أثناء حديث ترامب، اختار جلالته امتصاص التوتر وتجنب التصعيد، مع التأكيد على موقف الأردن الثابت بأن أي حلول للقضية الفلسطينية يجب أن تكون ضمن إطار الشرعية الدولية وحل الدولتين.
(1) قمة الرياض الثلاثية: خيار عربي لإعمار غزة
عقب اللقاء الامريكي – الاردني في سياق التحركات العربية لمواجهة تداعيات اللقاء الأردني-الأمريكي، عقد يوم الجمعة 21 فبراير 2025 لقاء تشاوري غير رسمي بين زعماء دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، لبحث مقترح ترامب حول إعادة إعمار غزة. جاء هذا الاجتماع كنتيجة مباشرة لحديث الملك عبدالله الثاني مع ترامب في البيت الابيض مؤخرا ، حيث أكد الملك خلال المؤتمر الصحفي أن هناك خطة عربية متكاملة لإعمار غزة يتم إعدادها بقيادة مصر وبدعم مباشر من السعودية، ما يعكس إدراك الدول العربية لحساسية هذا الملف.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن الخطة العربية سيتم عرضها على جدول أعمال القمة العربية القادمة في القاهرة، ومن المتوقع أن تتضمن مشاريع تنموية واستثمارية تهدف إلى إعادة إعمار غزة بطريقة تحافظ على حقوق الفلسطينيين، وتمنع أي محاولات لفرض حلول قسرية عليهم.
(2) ترامب وتصريحاته المتضاربة
الرئيس الأمريكي "ترامب الثاني"، الذي عُرف بنهجه غير التقليدي، أظهر تناقضًا واضحًا في موقفه من غزة. فبينما قدَّم مقترحًا للإعمار، عاد لاحقًا ليؤكد أن هذه المبادرة غير ملزمة، قبل أن يطلق تصريحًا صادمًا في نهاية مؤتمره الصحفي: "غزة لنا"، وهو ما فتح باب التأويلات حول نواياه الحقيقية.
الرئيس الأمريكي "ترامب الثاني"، الذي اشتهر بأسلوبه غير التقليدي في السياسة، بدا وكأنه يرسل إشارات متناقضة وكأنه "يعطي إشارة يسار لسيارته بينما يتجه يمين". ففي حين قدَّم مقترحًا لإعمار غزة، عاد لاحقًا ليؤكد أن هذه المبادرة غير ملزمة، قبل أن يصرّح في نهاية المؤتمر الصحفي يوم امس 21 شباط / فبراير 2025 بعبارة صادمة: "غزة لنا"، وهو تصريح يفتح باب التأويلات حول نواياه الحقيقية.
ما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن ترامب دائمًا ما يسعى لخطف الأضواء عبر تصريحات مثيرة، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو قضايا دولية أخرى مثل أوكرانيا، فنزويلا، وكندا، حيث أثارت مواقفه جدلاً واسعًا على مستوى العالم.
(3) دور الإعلام في رسم المشهد
أحد الجوانب المثيرة في هذا الملف هو الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية، وعلى رأسها وكالة "رويترز"، حيث حاول الصحفيان سيمون لويز وجيف ميسون الإيحاء بأن الملك عبدالله الثاني أبدى نوعًا من القبول بمقترح ترامب. لكن سرعان ما اضطرت "رويترز" إلى سحب خبرها العاجل والاعتراف بأنه مضلل.
كما ركز بعض المحللين على لغة الجسد خلال اللقاء، مشيرين إلى أن تعابير الملك عبدالله الثاني عكست حالة من القلق الطبيعي نظرًا لحساسية المواضيع المطروحة، إلا أن الموقف الأردني ظل ثابتًا، ولم ينجرف إلى أي تأويلات إعلامية مغلوطة.
(4) الخيار العربي: هل ينجح في إنقاذ غزة؟
رغم التحديات، تُظهر الخطة العربية بقيادة مصر والسعودية سعياً لموازنة الضغوط الخارجية عبر مشاريع إعمار تحفظ كرامة الفلسطينيين. ومن المقرر أن تُناقَش التفاصيل في القمة العربية، حيث يُتوقع دعمٌ واسع، لكن العقبة تكمن في مدى قدرة الدول العربية على تنفيذها دون تدخلات خارجية، خاصة مع تصاعد الخطاب الأمريكي المُعادي.
(5) ختامًا:
يثبت الأردن، ومعه الدول العربية الفاعلة، أنه قادر على المناورة السياسية بحكمة، متجنبًا التصادم المباشر مع واشنطن، لكن دون تقديم أي تنازلات على حساب الثوابت الوطنية. يبقى السؤال: إلى أي مدى ستنجح الخطة العربية في إعمار غزة دون تدخلات خارجية؟ الإجابة ستتكشف في الأسابيع المقبلة، مع انعقاد القمة العربية المرتقبة والتي قد تعيد رسم خريطة الامل لفلسطين.
أخبار متعلقة :