عندما هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية على سلع الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق من الشهر الجاري، كان رد الاتحاد واضحاً: «سنرد بحزم».
إلا أن رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، اختارت موقفاً أكثر تصالحية، وقالت للصحافيين: «الصدام ليس في مصلحة أحد، لهذا السبب أعتقد أن الحوار والحل المتوازن والمتناسب، هما السبيل للتعامل مع هذا الموضوع».
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، جعلت ميلوني نفسها الزعيمة الأوروبية المقربة جداً من ترامب، ما عزز أوراق اعتمادها كـ«جسر» محتمل بين الإدارة الأميركية الجديدة وأوروبا، وفقاً لمحللين.
وكانت ميلوني الوحيدة المدعوة إلى حفل تنصيب ترامب، في 20 يناير الماضي، وفي وقت سابق من الشهر نفسه زارت رئيسة الوزراء الإيطالية ترامب في منتجع «مار إيه لاغو»، حيث وصفها ترامب بأنها «امرأة رائعة تستطيع أن تدير الأمور بحكمة».
تغير دراماتيكي
بعد أن أصبحت رئيسة للوزراء في إيطاليا، شهد مسار ميلوني السياسي تغيراً دراماتيكياً، إذ تحولت من زعيمة لحزب يميني متطرف، له جذور فاشية جديدة بعد الحرب، إلى محافظة أكثر تقليدية، لاسيما في السياسة الخارجية.
وأصبحت رمزاً يمكن أن يتبناه اليمين الشعبوي ليكون قوة براغماتية حاكمة، حيث هناك أدلة عدة على براغماتيتها، منها أنها حافظت على علاقات وثيقة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، قبل فوز ترامب، كما أعربت عن دعمها الثابت للعقوبات الغربية على روسيا والمساعدات العسكرية لأوكرانيا مع بايدن، وأكدت في اجتماعاتها مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في نوفمبر من العام الماضي، أن إيطاليا لن تتراجع أبداً عن دعمها لأوكرانيا.
وكانت ميلوني شديدة الانتقاد للاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة، كما انتقدته في السابق بزعم أنه يتدخل في الشؤون الإيطالية ويقوض الهوية الوطنية، لكنها عملت على طمأنة حلفائها بأنها لن تكون قوة مزعزعة للاستقرار في الكتلة.
وكان أحد النجاحات البارزة هو حصولها على مساعدة من رئيسة المفوضية الأوروبية، فون دير لاين، لوقف تدفق المهاجرين القادمين من تونس بحراً إلى إيطاليا، حيث قدمت المفوضية مساعدات مالية لهذه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا مقابل بسط سيطرة أكثر فاعلية على سواحلها.
دور قيادي
وبعد تولي منصبها في أكتوبر 2022، برزت ميلوني كزعيمة لحكومة أوروبية أكثر استقراراً مقارنة بالضعف السياسي الداخلي في فرنسا وألمانيا.
وإلى جانب تطابق آرائها مع آراء ترامب بشأن الهجرة والإجهاض، وفضلاً عن علاقتها الجيدة مع وزير وزارة الكفاءة الأميركية المستحدثة، الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، فإنها تتمتع بمؤهلات لا مثيل لها كزعيمة في أوروبا مقربة من الرئيس الأميركي الجديد.
وبينما يتفاوض ترامب على التعريفات الجمركية مع كندا والمكسيك على صادراتهما إلى الولايات المتحدة، ويستعد الاتحاد الأوروبي للدخول في مفاوضات مماثلة، ظلت روما تدعو إلى دور قيادي لميلوني في التعاملات الأوروبية مع الإدارة الأميركية.
وقال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا»، عندما سئل عما إذا كانت إيطاليا ستتفاعل بمفردها مع التعريفات الجمركية، إنه «نظراً إلى علاقة ميلوني المتميزة مع الولايات المتحدة، فإننا نريدها أن تكون بمثابة جسر»، مضيفاً: «من المؤكد أن كل دولة لديها منتجات ربما تدافع عنها بشكل فردي، كما هي الحال حتى الآن، لكن من الأفضل بكثير أن نفعل ذلك معاً».
أوجه تشابه
ويقلل العديد من المحللين من طموحات ميلوني، ما يلقي بظلال من الشك على قدرتها المحتملة على التأثير في سياسات ترامب أو على سعيها للعمل للمصلحة الجماعية للاتحاد الأوروبي.
وقال أستاذ السياسة في جامعة ساري، دانييل ألبرتازي: «في نهاية المطاف، ما يهم حقاً هو الطريقة التي ينظر بها ترامب إلى مصالح الولايات المتحدة، لذلك لا أعتقد أنه سيكون أكثر مرونة معها».
وأقر بأن الزعيمين لديهما أوجه تشابه أيديولوجياً، وأن ميلوني عملت بجد لكي يُنظر إليها على أنها «جسر» محتمل لأوروبا مع الولايات المتحدة.
وأضاف ألبرتازي: «من الواضح أن ترامب يمكنه إجراء نوع من الحوار مع ميلوني لمصلحته، ويستطيع أن يقول: إنها واحدة منا، أو إنها شخص يفهم أولوياتنا، لذلك أعتقد أننا من المرجح أن نرى نوعاً من الدور لميلوني من حيث التواصل مع ترامب».
مصلحة إيطاليا
ويعتقد العديد من المحللين أن المحركات الرئيسة لجهود ميلوني مع ترامب تتمثل في مصالح إيطاليا وليس أوروبا، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تنفصل بشكل ملموس عن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن القضايا الرئيسة، خصوصاً في ما يتصل بأوكرانيا، أو أن تتنازل عن علاقاتها الطيبة مع المفوضية الأوروبية، التي تشكل أهمية حاسمة لاستقرار البلاد الاقتصادي.
وكتب المحلل في مجموعة «أوراسيا»، فيديريكو سانتي، في تقرير صادر في يناير الماضي: «في الأشهر المقبلة ستشمل دبلوماسية ميلوني محاولة التفاوض على استثناءات محدودة لأي تعريفات جمركية أميركية جديدة على منتجات الاتحاد الأوروبي والحصول على تصريح بشأن الإنفاق الدفاعي المتأخر في إيطاليا، والذي يظل أقل بكثير من التزامات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الحالية ومن غير المرجح أن يزيد كثيراً».
وأضاف أن ميلوني يمكنها أيضاً أن تلعب دوراً داعماً في الضغط على ترامب للدفاع عن مصالح الاتحاد الأوروبي الأوسع، ومع ذلك قال إنها من المرجح أن تتراجع مقارنة بزعماء أوروبيين آخرين، حيث يظل تركيزها في المقام الأول على الداخل.
الإنفاق الدفاعي
كان الإنفاق الدفاعي، الأقل نسبياً في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة، قضية رئيسة اصطدم فيها ترامب مع الاتحاد الأوروبي خلال رئاسته الأولى، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يصبح موضوعاً مثيراً للجدل بين الولايات المتحدة وأوروبا مرة أخرى قريباً.
كما أنه من نقاط ضعف إيطاليا، حيث إن الإنفاق الدفاعي للبلاد، والذي يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المقرر أن يزيد بشكل طفيف في عام 2025، بعيد جداً عن هدف ترامب الذي يريد أن يرتفع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لـ«الناتو».
لقد رفع العديد من أعضاء «الناتو»، لاسيما ألمانيا، إنفاقهم الدفاعي بشكل عام منذ سنوات رئاسة ترامب الأولى.
ومع ذلك لاتزال هناك فجوات واسعة بين الدول الأوروبية التي تكافح لتحديد الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه سياسة الدفاع المشتركة وكيف ينبغي تمويلها.
في بداية فبراير وافق ترامب على تأجيل الرسوم الجمركية على المكسيك لمدة شهر بعد محادثات مع الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، بعد أن تعهدت بإرسال قوات الحرس الوطني للمساعدة في وقف الهجرة إلى الولايات المتحدة.
كما تم تأخير الرسوم الجمركية على كندا لمدة شهر على الأقل بعد أن طمأنت أوتاوا ترامب بأن البلاد تعمل على تعزيز الضوابط الحدودية لوقف تدفق «الفنتانيل» إلى الولايات المتحدة.
ومع ذلك أبقى ترامب على ضريبة بنسبة 10% على السلع الصينية، وردت عليها الدولة الآسيوية بفرض رسوم على بعض السلع الأميركية، وفرض قيود على الصادرات الصينية من المعادن الرئيسة، والتحقيق في مكافحة الاحتكار مع شركة «غوغل». عن «فورين بوليسي»
نتائج عكسية
ميلوني جعلت نفسها الزعيمة الأوروبية المقربة جداً من ترامب. رويترز
أكد محللون ومسؤولون أن الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى العمل ككتلة، حيث لا يمكن للعلاقات الخاصة أن تلعب دوراً يذكر.
وقالت نائب رئيس مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما، تيريزا كوراتيلا: «يتعين على رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، أن تضع في اعتبارها أنه إذا تدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة - وقد رأينا أن هذا قد يستغرق 24 ساعة فقط - فلن تتمكن إيطاليا من إدارة الموقف بمفردها».
وأضافت: «نحن جزء من نظام يتشكل من القواعد والمعاهدات، وأعتقد أن ميلوني ترتكب خطأ في الاعتقاد بأنها تستطيع التغاضي عن هذا، في حين يتعين عليها في الواقع أن تعمل في المقام الأول كضامنة للنظام الأوروبي وحماية مثل هذا النظام».
وتابعت: «في الوقت نفسه يمنح هذا ميلوني فرصة للتأكيد لناخبيها أنها تُعد الآن لاعباً مهماً وجاداً على الساحة الدولية، لكن عندما يصطدم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالاتحاد الأوروبي، وسيتم فرض الرسوم الجمركية، فمن المرجح أن يأتي هذا بنتائج عكسية على ميلوني».
0 تعليق