بصرك اليوم حديد - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بصرك اليوم حديد - أرض المملكة, اليوم الاثنين 3 فبراير 2025 11:41 مساءً

ارتبطت مفردة التيه بالصحراء، وربما مصدر هذا الارتباط هو التيه الذي عاشه اليهود بعد عصيانهم نبي الله موسى بعدم الدخول إلى الأرض المقدسة، فكانت عقوبتهم التيه أربعين سنة داخل الصحراء.

وهناك فرق بين التيه المادي، والتيه الذاتي، أو النفسي، واجتهادنا في الحياة هو حالة من التيه حتى إذا بلغ أحدنا نقطة الرحيل وتوديع كل شيء، وفي إغماضته الأخيرة يكون البصر حديداً، وهي لحظة الخروج من التيه الذاتي.

وأعتقد أن الزمن في لهاثه العجل عاقب العالم بالتيه، عالم تائه بين القيم ولا قيم، ويكون لزاماً تقوض القيم؛ كي تكون النهاية من أجل الأبصار الحقيقي لنقف استدلالاً على ما كنا فيه من تيه «لقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ».

لنعد قليلاً قبل الوصول إلى نقطة الرحيل، فنحن لا نتنبه للسرعة العمرية، وفي تلك السرعة الزمنية المنطلقة في حدودها القصوى، استطاعت تلك السرعة بعثرة كل زاد حمله الفرد، أو الجماعة.

سرعة جنونية لم يتمكن الفرد من الإمساك بذاته، كما أن الحزام الذي يحتزم به ثبّته في مكانه، لكنه لم يمنع شعور الاهتزاز بأن الراكب ليس في حالة طبيعية.

فهل يجوز لي القول: إن اللحظات الزمنية في تسارعها جعلت الأحداث ذاتها خارطة تيه كاملة؟

الآن، ربما تغيب مفردات الضجر، ولم تعد حاضرة بصورة ملحة كما كانت سابقاً، فالضجر أصبح حالة وليس مفردة، واختلط المادي، بالروحي، وهذه صورة من صور التيه أيضاً، وهو اختلاط نسبة المادي يفوق الروحي بمراحل متقدمة.

وربما لا نتوقف متأملين حالة التيه تلك، وهذا أمر طبيعي، فكيف لمادة سائلة في هيأتها استبانة أين تقف من ذلك الاهتزاز.. كيف؟

الكثيرون يظهرون بميزة الاتزان في مظاهرهم الخارجية، إلا أن أعماقهم يطغى عليها شعور اللا معنى.

كما أن القيم تتفلت بكثافة، حتى أن المرء يستشعر فقدان اليقين من كل شيء، ويساعد في تدني اليقين طغيان الجوانب الاستهلاكية التي توصلك إلى اللا معنى، وبالرغم من أن العالم اكتسب سِمَة الضجيج إلا أن المتأمل يلحظ في ذلك الضجيج شكلاً من أشكال التيه.

ربما يقول أحدكم إن الشعور بالتيه يكون ضاغطاً على كبار السن؛ بسبب اجتياح السوشيال ميديا التي أغرقتهم، وخلقت حالة حنين لما مضى من حياتهم؛ ولهذا يشعرون بالتيه.

وهذا القول يتماسك للحظات، وسرعان ما ينهار إزاء الأعمار المتدنية التي تعبر عن تيهها بفقدان اليقين الذي يتولد من تناسل المسببات المؤدية إلى حركية خارجية غير متلائمة مع الداخل.. وفي محاولتي للتثبيت وصلت إلى قناعة أن الحياة ذاتها هي التي تبحث عن التيه؛ لكي تجرفنا بغتة من على ظهرها.. ألسنا نحن حطاماً للعب ولهو قد قمنا بتبادله مع ذلك التيه، قبل أن نصل إلى اليوم الذي يكون فيه البصر حديداً؟!


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق