نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التراث الذي يحكمنا - أرض المملكة, اليوم الخميس 30 يناير 2025 11:26 مساءً
التراث جهد إنساني وثروة كبيرة من المعارف الشعبية والعادات والتقاليد والآدب والثقافة والفنون والموسيقى، مصطلح التراث يشمل اجتهادات الفقهاء وفهمهم للنصوص المقدسة وتفسيرهم لها والاجتهادات المرتبطة بأزمانها وأماكنها التي من الواجب أن تعامل على أنها تجربة إنسانية قابلة للنقد والنقض والتعديل. إن مفهوم كمال التراث الإسلامي يشير إلى الرؤية التي تعدّ أن التراث الإسلامي قد بلغ مرحلة الكمال والشمولية في كل النواحي، سواء كانت دينية، اجتماعية، علمية، أو ثقافية. ولكن التمسك المطلق بهذا المفهوم قد يؤدي إلى عدد من العيوب والمشاكل المحتملة، التي سنوردها باختصار غير مخل. إن هذا المفهوم يُمكن أن يؤدي إلى تجاهل السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها التراث، وبذلك قد يُساء فهم الغايات والظروف التي استدعت بعض الأفكار والممارسات. كما يسيء فهم مفردات التراث ودلالتها. والمشكلة أن البعض يتصور الحياة في القرون الماضية بواسطة منظورهم للحياة الآن ما يؤدي إلى عدة استنتاجات خاطئة ونتائج سلبية. وعلى سبيل المثال النظافة والصحة في القرون الماضية قبل العصر الحديث، كانت أقل تطورًا، مما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض والأوبئة. ومن الطبيعي أن انعكست هذه المعرفية في كتبهم وثقافتهم وعاداتهم. ثم إن التعليم والمعرفة المحدودة كان مقتصرًا على النخبة في القرون الغابرة، وغالباً ما كان تحت سيطرة الدولة وكل ذلك انعكس في التراث. غير أنه المهم أن نتذكر أن هذه النتائج تظهر الفُرُوق في الزمن والتقدم الذي حققته البشرية، ويجب النظر إليها بفهم للسياق التاريخي والثقافي لكل حقبة. لهذا من الخطأ تصور الكمال في التراث.
التمسك المطلق بمفهوم كمال التراث الإسلامي يؤدي إلى عدد من العيوب والمشاكل، منها: جمود الفكر ومقاومة التغيير والتجديد، حيث يُنظر إلى أي محاولة لتطوير أو نقد التراث على أنها تخل بكماله. إن المعوقات في مواجهة التحديات الحديثة في مجتمعاتنا الإسلامية تظهر خطورة مفهوم كمال التراث على مواكبة العلوم الحديثة وقد تحول دون معالجة التحديات المعاصرة بأساليب جديدة تتماشى مع تطورات العصر الحديث، سواء في العلوم أو التكنولوجيا أو غيرها.
عصر الغفلة مثال واضح على سيادة مفهوم كمال التراث الذي جرى فيه إقصاء الآراء والأفكار المختلفة وتهميشها وتفسيق المخالف حتى تكفيره. كما عزز الانقسامات في المجتمعات الإسلامية ذات التراثيات والثقافات المختلفة مما أعاق الحِوَار والتفاهم المتبادل، ولا ننسى محاربة الإبداع والابتكار، إذ عدّ أن كلّما هو مطلوب قد أُنجز سابقًا.
من المهم الاعتراف بقيمة التراث الإسلامي وأثره الكبير، ولكن في الوقت نفسه يجب تبنيه بنهج نقدي وبنّاء يتيح الانفتاح على التطور والتغيير لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
0 تعليق