رسوم ترامب الجمركية تهدد الصناعة الأميركية - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ليس دقيقاً ما قاله الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب: «إننا لم نعد نصنع أي شيء»، حيث بلغت مبيعات الشركات المصنعة الأميركية أكثر من سبعة تريليونات دولار في عام 2024، لكن لإنصاف رئيس الولايات المتحدة القادم فإن القطاع الصناعي شهد حالة من التباطؤ خلال السنوات الأخيرة، ما يعتبر تهديداً للأمن القومي.

وتناقص الإنتاج في الولايات المتحدة منذ عام 2000 بنسبة 10% و30% في بعض الصناعات المهمة استراتيجياً، بما فيها المعدات الميكانيكية والكهربائية والأعمال الكيميائية والمعدنية، في حين كان الإنتاج في بعض الصناعات الأخرى مثل السيارات والطائرات والصناعات الدوائية وأشباه الموصلات أفضل قليلاً، غير أنه ظل ضئيلاً مقارنة بارتفاع الطلب العالمي والمحلي.

وإذا استمرت التوجهات الحالية فحتى تلك الصناعات التي نجت من الخسائر خلال السنوات السابقة قد ينتهي بها الأمر إلى الخروج من الولايات المتحدة إلى دول أخرى.

مخاطرة

وتعهد ترامب بإصلاح كل ذلك، وبصفتي شاركت في تأليف كتاب «حروب التجارة هي حروب طبقية»، الذي يشرح كيف فشل النظام التجاري العالمي في مساعدة العديد من العمال في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، فإنني متعاطف مع هذا الهدف، وأعتقد أنه يستحق السعي لتحقيقه، وإذا كان ترامب جاداً في هذا السعي فعليه التفكير بجدية بشأن الأدوات التي عليه استخدامها لتحقيق هدفه.

وفي الواقع فإن العديد من السياسات التي طرحها ترامب ومستشاروه، لاسيما الرسوم الجمركية الشاملة، تخاطر بجعل الأمور أسوأ، أو في أفضل الأحوال لن تفعل شيئاً لإنعاش الصناعة الأميركية أو تحسين أحوال العمال.

ومجرد أننا ربما نلحق الأذى بشركاء التجارة فهذا لا يعني أننا سنستفيد، وعلى الأرجح أن تأتي تدابير ترامب «العقابية» بنتائج عكسية.

وإن فرض الرسوم الجمركية على سلع الدول الأخرى قد يسعد ترامب بتدمير إنجازات سلفه (بايدن)، لكن هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة صعوبة جعل التصنيع الأميركي عظيماً مرة أخرى.

المستهلكون الأميركيون

تعرف الرسوم الجمركية بأنها عبارة عن ضرائب يدفعها المستوردون على البضائع التي تأتيهم من خارج بلدهم، وربما تجعل البضائع الأميركية تبدو منخفضة السعر نسبياً بالنسبة للمستهلكين في الولايات المتحدة مقارنة بالبضائع الأجنبية.

ومن الناحية النظرية فإن ذلك قد يعزز فرص التوظيف والأجور والأرباح بالنسبة للشركات الأميركية، غير أن هذه المكتسبات ستكون على حساب إجبار المستهلكين الأميركيين على إنفاق المزيد من المال لشراء السلع نفسها، ما يعني أن هناك أموالاً أقل متوافرة لكل الأشياء الأخرى.

وفي الواقع فإن التأثير المباشر لذلك يعتمد على مدى سهولة زيادة عدد العمال والمصانع لإنتاج سلع أميركية كالتي يتم استيرادها في الوقت ذاته، لكن القدرة المحلية على التصنيع ترتفع بسرعة بفضل إعانات الدعم الحكومية لبعض الصناعات مثل المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، حيث تكون فوائد الرسوم الجمركية تفوق التكاليف.

ومن الناحية الأخرى يمكن أن تكون الرسوم الجمركية على بعض الواردات من السلع حيث الطلب قوي والقدرة المحلية مقيدة للغاية، مثل حبوب البن، أقرب إلى ضريبة المبيعات التي تأخذ المال من المستهلكين الأميركيين لتقليص العجز في الميزانية الفيدرالية.

وللأسف يبدو أن الإدارة المقبلة لا تقدر هذه الفروقات، بل إنها تهتم أكثر بحجم العجز الإجمالي، وهو الفرق بين ما يبيعه الأميركيون لبقية دول العالم، وبين ما يشترونه من الدول الأخرى. ولكي نكون منصفين فإن هذا العجز في البضائع المصنعة بلغ 1.2 تريليون دولار سنوياً، أو ما يعادل 3500 دولار عجزاً عن كل رجل وامرأة وطفل أميركي، وإذا اختفى هذا العجز وبقي كل شيء كما هو، فإن الدخل الأميركي سيرتفع بنسبة 5% تقريباً، غير أن سد هذا العجز من ناحية واحدة سيكون مستحيلاً دون إلحاق الأذى بأميركا نفسها.

العجز التجاري

ويميل الإنفاق على الواردات المصنعة إلى تتبع دورة الأعمال والأنظمة الجديدة للبضائع المصنوعة في أميركا. وإذا تم فرض رسوم جمركية «عالمية» مرتفعة بما يكفي لإجبار الواردات على التناقص بنحو 40% لسد العجز التجاري، فإنه سيؤدي على الأغلب لتباطؤ اقتصادي حاد يؤذي الأميركيين أنفسهم أكثر من غيرهم.

ولتجنب ذلك يتعين على الإنتاج المحلي من السلع المستوردة نفسها أن يرتفع بما يكفي لسد الفجوة، وأن يرتفع بسرعة كافية لمنع النقص والتضخم. وتشير تجربة جائحة «كورونا» إلى أن هذا ليس خياراً واقعياً.

وستكون النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن القوى السائدة والمضادة ستمنع الرسوم الجمركية من إحداث تأثير كبير تماماً كما حدث في المرة الأولى التي تولى فيها ترامب منصبه، ففي ذلك الوقت كان هناك تباطؤ متواضع في قطاع التصنيع، ولم يكن هناك الكثير من التغيير في معدل التضخم، ولم يحدث أي تغيير في الميزان التجاري، كما ارتفعت عائدات الجمارك حينها.

ويكون تأثير هذا النوع من الرسوم الجمركية محدوداً لأن المنتجين الأجانب يمكنهم الرد على هذه الرسوم عن طريق رفع أسعارهم، وربما تقليل أرباحهم، بما يساعدهم على الاحتفاظ بحصتهم في السوق.

وبصورة مماثلة يمكن لتجار الجملة والتجزئة الأميركيين «التضحية» ببعض هوامشهم الربحية لحماية المستهلكين من التأثر الكامل لارتفاع أسعار الواردات.

ارتفاع الدولار

وهناك تأثير آخر هو ارتفاع قيمة الدولار نتيجة الرسوم الجمركية أو التهديد بفرضها، وهذا يجعل البضائع المصنعة في الولايات المتحدة أكثر كلفة، وبالتالي فإن التصدير، وليس الاستيراد، يصبح أكثر كلفة، وأكثر عبئاً على المصدرين.

ويكمن التهديد الأكبر على الشركات المصنعة الأميركية في أن الإدارة المقبلة تتعهد بإنهاء الدعم للصناعة بالنسبة لأشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية، وغيرها من القطاعات ذات القيمة العالية التي تأسست في عهد إدارة الرئيس جو بايدن.

والتزمت العديد من الشركات باستثمار مبالغ ضخمة لزيادة القدرة الصناعية على افتراض أنه سيتم دعم جهودها بتمويل رخيص وإيرادات مضمونة.

انعدام اليقين المالي

ربما سيتم إلغاء الرسوم التي هدد بها ترامب إذا فرضت الحكومة الكثير من الأنظمة والقوانين مع حالة انعدام اليقين المالي، وقد يؤدي خفض الدعم إلى «توفير المال» بالمعنى الضيق، لكن على حساب الإضرار بالتصنيع الأميركي والأمن القومي.

ويبدأ النهج الأفضل لتعزيز التصنيع من خلال سياسة صناعية تعترف بأن المنتجين في الولايات المتحدة يواجهون مشكلتين مترابطتين: الأولى هي أنه لا يوجد ما يكفي من الإنفاق على البضائع المصنعة سواء كان من المستهلكين أو الشركات أو الحكومات. ويبدو أن الحفاظ على قطاع تصنيع متطور ومتنوع في أي دولة بات أكثر صعوبة مما ينبغي، لأنه لا يوجد ما يكفي من العائدات، وهو ما يتفاقم نتيجة المشكلة الثانية التي تتمثل في أن التصنيع في الولايات المتحدة أقل ربحاً نسبياً مما لو كان يتم في دول أخرى تمنح فيها الحكومات دعماً للصناعة.

ومن الناحية المثالية سيجد القادة في الاقتصادات الأجنبية الرئيسة مثل الصين وأوروبا واليابان طرقاً لزيادة القوة الشرائية لمستهلكيهم، وهذا من شأنه أن يرفع مستويات المعيشة في الخارج، ويعزز الطلب العالمي على التصنيع، ويجعل الشركات الأميركية المصنعة أكثر قدرة على المنافسة في كل من الولايات المتحدة وبقية دول العالم.

ترجمة: حسن عبده حسن *كاتب شارك في تأليف كتاب «حروب التجارة هي حروب طبقية» عن «بوليتيكو»


دعم

إن الإبقاء على دعم صناعة أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية وإنفاق المزيد على الصناعة الدفاعية، نقطة بداية جيدة، لكنها ليست كافية، إذ يتعين على صانعي السياسات أن يكونوا مبدعين ويتجنبوا الحلول التبسيطية.

. فرض رسوم جمركية مرتفعة لتقليل الواردات بهدف سد العجز التجاري سيؤدي على الأغلب إلى تباطؤ اقتصادي حاد يؤذي الأميركيين أنفسهم أكثر من غيرهم.

. يمكن أن تكون الرسوم الجمركية على بعض الواردات، حيث الطلب قوي والقدرة المحلية مقيدة، أقرب إلى ضريبة مبيعات على المستهلكين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق