ليس كلُّ سيّدٍ "السيّد"! - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

 

أتأمل في كلمة "سيّد"، هذه الكلمة من أوسع كلمات اللغة العربيّة استخداماً في التعاملات اليوميّة.

أتأمل في هذه الكلمة بصيغتيها الفصحى والعاميّة.

أتأمل في هذه الكلمة وما يُلحَق بها أو يمكن أن يُلحَق بها من ضمائر رفع متّصلة ومنفصلة.

أتأمّل فيها مليّاً وأقول لنفسي:

قلّة مَن يستحقّون هذه الكلمة، وقلّة مَن تليق بهم هذه الكلمة، وقلّة من "يملؤون هدوم" هذه الكلمة، وقلّة مَن تتشرّف بهم هذه الكلمة كما تتشرّفُ بسماحة السيّد "حسن نصر الله" رحمه الله!

بعيداً عن أخوّة الوطن..

وبعيداً عن أخوّة العروبة..

وبعيداً عن أخوّة الدين..

وبغض النظر عن موقفك من "المقاومة" أو موقعك من "الصراع"، وحتى لو كنتَ تقف على الضفة الأخرى جوار الخصم والعدو، أو كنتَ الخصم والعدو نفسه.. لا يمكن أن تكون إنساناً سويّ العقل سليم الفطرة صحيح المروءة ولا تحترم "السيّد"، وتُجّل "السيّد"، وتُوقّر "السيّد"!

أعلمُ أنّ هذا الكلام قبل أن يستفزّ العدوَّ وأعوانه وأذنابه، وقبل أن يستفزّ متكسّبي الأوطان ومتقمّمي الأنظمة، وقبل أن يستفزّ الأقلام المسمومة والذمم المأجورة.. سسيستفزّ "ثوّار الناتو" و"مجاهدي البترو - دولار" و"فاتحي الباب العالي" وقطعان الغوغاء والدهماء التي تهلّل لهم وتسبّح بحمدهم ليل نهار!

ما لي بهؤلاء جميعاً وفطرتهم الملوّثة ووعيّهم المشوّه، وما لي بغباء سوادهم ونفاق خواصّهم وسفالة قياداتهم: يحلّلون في العنب ويحرّمون في الحصرم، ويفترون على الله الكذب بأنّه قد سخّر لهم "العدو" في حين أنّ العدو هو الذي يسخرّهم لصالحه ويستغفلهم ويوظّفهم، ويبيعون الأوطان "طابو" للعدو ووكلائه دون أن يرّف لهم جفن، ويتصالحون مع "الربا" و"السُحت" و"حكم الجاهليّة" ومرجعيّة السوق و"الميكافلليّة" و"البرجماتيّة" و"النفعيّة" والذرائعيّة في نفس الوقت الذي يستشيطون فيه غضباً كاذباً وحميّةً استعراضيّةً لذقن شاب حليق هو في الأساس أمرد، أو خصلة شعر صغيرة أفلتت سهواً من فتاة محجّبة!

ما لي بهؤلاء أحبّوا "السيّد" أم أبغضوه!

هم أكثر مَن يردّدون: عند الله تلتقي الخصوم. وأقول لهم: نعم، عند الله تلتقي الخصوم، هو سبحانه وتعالى أعلم بالنوايا، وهو أعلم بالإخلاص، وهو أعلم بكلّ أمرٍ دُبّر بليلٍ وحيك في الخفاء ووراء الكواليس، وهو أعلم بالذين انحرفوا بـ "الحقّ" لُيراد به باطل، وهو أعلم بمَن عطّلوا عقولهم مناط التكريم والتكليف وأتّبعوا "أحبارهم" و"رهبانهم" و"علماء السلطان" باسم طاعة كاذبة وتوكّل أكذب!

السيّد "حسن نصر الله" الشخص قد مات وأفضى لما قدّم وأمره إلى الله، أمّا السيّد "حسن نصر الله" الفكرة فلم تمت، وهي باقيّة ما بقيت هذه الأمّة تلد، وما بقي في عروق هذه الأمّة دم يجري وكرامة تسري.

لا أتحدث عن فكرة "المقاومة"، فللمقاومة أبطال كُثر، من أصغر طفل إلى أكبر كهل في غزّة أو "الجنوب" أو اليمن!

أنا أتحدث عن فكرة "السيّد" نفسها، أو بعبارة أدق أن تكون "سيّداً" حقّاً: قائد مبدئيّ، وحليف وفيّ، وخصم صادق وأخلاقيّ.

أتحدّث عن "السيّد" الذي يدفع الثمن أولاً قبل أن يطالب غيره بدفع الأثمان.

كلّنا نعرف فلذة الكبد "هادي" أين كان؟ وفيم كان؟ وإلى أي شيء أفضى؟ ونحسبه عند الله شهيداً في الدنيا وسعيداً في الآخرة.. فهلّا تفضلتم قليلاً وقلتم لنا أين أبناؤكم أنتم هذه اللحظة؟ ماذا يصنعون؟ وفي أي شيء ينفقون أعمارهم وأموالهم ودأب تفكيرهم وكدّ أجسادهم؟

أين أبناؤكم.. وأين أبناء زعاماتكم وقاداتكم وحكّامكم الذين تتخذونهم أرباباً من دون الله؟

في يوم تشييع "السيّد" لا أملكُ إلا أن ألتمس منه ومن "صفيّه" العذر؛ فأنا لم أشاهد المراسم، ولم أتابع الأخبار، ولم أنشر صور الرثاء وعبارات العزاء.. بل تجاهلتُ الأمر برمّته وكأنّه لا يحدث أو غير موجود، وشغلتُ نفسي وشاغلتها بأيّ أمر آخر..

فأولاً: كهذا نحنُ نتحايل على الحزن ونكابر على الجراح، و"السيّد" منّا في هذه الخصلة ونحن منه..

وثانيّاً: لأنّنا لا نعبد الأشخاص، ونُعرّف الرجالَ بالحقُّ ولا نُعرّف الحقَّ بالرجال!

في يوم تشييع "السيّد" نحن لسنا بحاجة إلى بكائيّات ولطميّات وكربلائيّات.. في يوم تشييع السيّد نحن بحاجة لأن "نغضب للقتيل"!


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق