مستعينين بالذكاء الاصطناعي .. الاردن ٢٤ تتوسع في التأصيل لما يعرف ب علم الجهل #عاجل - أرض المملكة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اعداد الدكتور عبدالرزاق بني هاني -  في مستهلّ البيان ينبغي التنبيه على أنّ ما يُسمّى بـ«علم الجهل» ليس مجرّد مصطلحٍ مستحدثٍ أو توصيفٍ سرديٍّ لظاهرة اجتماعيّة عابرة، بل هو منظومةٌ مترابطةٌ من السياسات والتقنيّات التي تستهدف تشكيل وعي الفرد والجماعة على نحوٍ معيّنٍ، بما يحقّق مآرب فئةٍ بعينها من المتنفّذين وأصحاب القرار. ولأجل استجلاء جميع العناصر الرئيسة الواردة في النصّ العربيّ الذي استشهدتم به، ولتقويم ركائز الفكرة التي تربط «علم الجهل» بـ«التاريخ النفسيّ (psycho-history)» والهندسة الاجتماعيّة، فإنّنا سنخوض تفصيلاً في المبادئ المذكورة، ثمّ نختم برؤيةٍ شاملةٍ تجمع الخيوط المتناثرة في إطارٍ نظريٍّ واحدٍ، مع توظيف لغةٍ عربيّةٍ بالغةٍ في رصانتها وعلوّ تركيبها.

أوّلاً: الأساس النظريّ لـ«علم الجهل» وارتباطه بالتاريخ النفسيّ

1.مفهوم «علم الجهل»

يقوم هذا المفهوم على فكرة أنّ الجهل – بخلاف ما قد يتصوّره البعض من كونه نقصاً عفويّاً في المعرفة – يمكن أن يُصنع ويُهندَس ويُرَوَّج له عبر مؤسّساتٍ أو أنظمةٍ تمتلك الأدوات الكفيلة بتنميطه وتعزيزه. ولا يتعلّق الجهل هنا بالمعارف العلميّة المباشرة فحسب، بل يشمل تمويه الحقائق، وتحريف الوقائع التاريخيّة، وتزييف الرؤى الفكريّة، وتثبيت تصوّراتٍ خاطئةٍ في عقل المتلقّي.

2.التاريخ النفسيّ (Psycho-history)

يُستدلّ بهذا التخصّص على رغبة الباحثين في قراءة الأحداث التاريخيّة الكبرى من منظور الدوافع النفسيّة الجمعيّة، فضلاً عن آليّات التأثير الاجتماعيّ التي تُمارَس على الشعوب. وهو ما يربط بين «علم الجهل» ودراسة نمطٍ معيّنٍ من التلاعب بالوعي: إذ إنّ فهم كيفيّة تفاعل الشعوب مع الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة لا يكتمل إلّا بتحليل البواعث النفسيّة الكامنة، وتبيان الكيفيّات التي تتولّد بها قابلية استهلاك الأخبار المشوَّهة أو الأفكار المتحيّزة.

3.التنشئة المُضلِّلة

تتعاون المؤسّسات والأنظمة (الرسميّة والبحثيّة والإعلاميّة) التي تنتهج هندسة الجهل على اقتناص الثغرات المعرفيّة لدى الأفراد، والعمل على تضخيمها وترسيخها في الوعي الجمعيّ، بما يضمن تصرّفاتٍ جماعيّةٍ تصبّ في مصلحة الطرف الأقوى، الذي يملك الدافعيّة والقدرة على توجيه أفكار العامّة.

ثانياً: الفئات المستهدفة بـ«علم الجهل» وتبريرات اختيارها

أشار النصّ إلى ثلاث فئاتٍ رئيسةٍ يجري استهدافها بهذه الصناعة المعقّدة:

1.الفقراء والمهمَّشون (بمن فيهم المعلّمون والأساتذة)

•التعليل والتمرير: إنّ هذه الفئة، في الغالب، تواجه ضغوطاً معيشيّةً واقتصاديّةً تجعلها أسيرةً لهموم الحياة اليوميّة، فتجد المشقّة في الوصول إلى مصادر المعرفة المستقلّة أو النقديّة. ومن هذا المنطلق، يسهل تسويق الأفكار المُختزَلة والمقولات الدعائيّة لديها، ولا سيّما حين تتعلّق بتبسيط المشكلات أو البحث عن «أعداء» مختلقين.

•شمول المعلّمين والأساتذة: قد يبدو هذا المضمون صادماً بادئ الأمر، إذ يُفترَض أنّ معلمي المدارس وأساتذة الجامعات هم أهل الاختصاص والمعرفة. بيد أنّ بعض الأنظمة التعليميّة تعمل على تقييد حرّيّة التفكير النقديّ والمناقشة العلميّة الواسعة، ما يؤدّي إلى إدخالهم في نفس دائرة الاستهداف عبر مناهج لا تسمح بالتحليل العميق أو الأفق المتعدّد. وتزداد الخطورة حين يُستغلّ المدرّسون كأداةٍ لتمرير الروايات الرسميّة المعلّبة والموالية للسلطة.

2.المتديّنون المؤمنون بالقدرية (التسليم المطلق)

•الأسباب الكامنة: هذه الفئة تخضع لتفسيرٍ خاطئٍ للدين، حين يُغرَس في أذهانها أنّ القَدَر لا يمكن أن يتغيّر وأنّ الإنسان مغلوبٌ على أمره. وعند ترسيخ هذه العقيدة المغلوطة، يصبح من اليسير توجيههم لصالح سياسةٍ بعينها أو تيّارٍ ما دون أن يعترضوا أو يشكّكوا.

•تكليفهم بنشر الجهل: إذ يسهل الاعتماد على بعض الزعامات الروحيّة أو الدينيّة التي تروّج للنصوص والاجتهادات المتشدّدة أو اللامبالية بالواقع، وتثبّت في عقول أتباعها فكرة الانسحاب من الفعل الاجتماعيّ أو المشاركة السياسيّة. وهكذا تُسهم هذه الفئة في نشر حالةٍ من الخمول الفكريّ والانهزاميّة، تفيد السلطات القائمة في استدامة مصالحها.

3.المغفَّلون العاملون في الحكومات، لا سيّما في الدول الفقيرة

•التكنوقراط والفنيّون المستشارون: يوضّح النصّ أنّ هذه الفئة تُدرَّب تدريباً متخصّصاً على إيجاد المبرّرات العلميّة أو الاقتصاديّة أو الإجرائيّة لتمرير قراراتٍ تخدم مصالح فئات النفوذ، ولو كانت تلك القرارات تدمّر قطاعاتٍ واسعةٍ من المجتمع.

•آليّة التأثير: تُستَخدم في ذلك أدواتٌ عديدة، منها تضخيم التكاليف وتقليل المنافع، أو تصوير أيّ إصلاحٍ على أنّه مستحيلٌ بسبب ضيق الموارد، أو افتعال أزماتٍ وهميّةٍ لتبرير الخضوع لسياساتٍ مجحفة. وتتحوّل تلك الإجراءات شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه «حقيقةً» لا يمكن الاعتراض عليها، ومن ثمّ تترسّخ الأكاذيب في وعي الناس وتُصبِح جزءاً لا يتجزّأ من واقعهم.

ثالثاً: صناعة العداوة وتمزيق النسيج الاجتماعيّ بوصفهما امتداداً لـ«هندسة الجهل»

1.بثّ العداوة بين الأشقّاء

إنّ إذكاء النزاعات بين المجتمعات المتجانسة عِرقيّاً أو لغويّاً أو دينيّاً يُعدّ من أخطر آليّات «الهندسة الجاهلة». والغاية من ذلك إضعاف القدرة الجماعيّة على النهوض، وزرع أسباب التفرّق والحروب الأهليّة، بحيث ينشغل الجميع بمعارك جانبيّةٍ يُسهل توجيهها لخدمة القوى الكبرى.

2.مؤتمر هنري كامبل بانيرمان سنة 1906

•خلفيّة تاريخيّة: وُضع في هذا المؤتمر – بحسب ما أورده النصّ – التصوّر الاستراتيجيّ الغربيّ للتعامل مع المنطقة العربيّة عشيّة سقوط الدولة العثمانيّة. ومن نتائجه المزعومة، وضع حدودٍ مصطنعةٍ وفصل الشعوب العربيّة بعضها عن بعض بشروط تأشيراتٍ وموانع إداريّة، حتّى يتعذّر على المواطن ذي الأصول أو الأرحام المشتركة عبور بضعة أمتارٍ دون إجراءاتٍ معقّدة.

•تهكّم ريتشارد هالدين على الحديث النبويّ: يُستدلّ بهذا الموقف لاستعراض كيفيّة تعامل بعض الساسة الغربيّين آنذاك مع المكوّنات العربيّة والإسلاميّة بازدراءٍ أو تقليلٍ من شأنها. إذ قيل إنّه صرّح برغبته في أن يجعل من الأردنّ شعوباً متناحرة، مُجدِّفاً على الحديث النبويّ المتعلّق بأرض الحشد والرباط. وهذا إن صحّ يُظهر رغبة متعمّدةً في زرع الفتن الداخليّة وبذر عوامل الانقسام تحت عباءة «تحديث» خارجيٍّ مُوجَّه.

3.توسيع الفجوة المجتمعيّة

في ظلّ هذه السياسات التي تنطلق من مراكز بحوثٍ رائدةٍ – كـ«مؤسّسة راند» المذكورة – يُعاد تشكيل المعطيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة عبر حملاتٍ دعائيّةٍ وإعلاميّةٍ مكثّفةٍ، تخلق وهم العداء بين فئات المجتمع الواحد، أو تعظّم الفارق العقائديّ أو العرقيّ أو السياسيّ، ليصبح التناحر الداخليّ أمراً مقبولاً وربّما مُستلزماً للحفاظ على الهويّة الوطنيّة المزعومة.

رابعاً: تبرير «علم الجهل» وأدواته التنفيذيّة

1.التعبئة النفسيّة عبر الإعلام والتعليم

تتواشج وسائل الإعلام بمناهج التعليم في رسم الصورة النمطيّة المرغوبة التي تجعل الجمهور غير قادرٍ على التفكير النقديّ، فيتقبّل المعلومات المعلّبة دون تمحيص. والمحصّلة أنّ الجمهور – لاسيّما الفقراء والمهمّشين – يصبح ذخيرةً صالحةً للاستهلاك من قِبل منظّري السياسات الذين يستهدفون توجيه الرأي العام لتحقيق مصالح بعيدةٍ عن مصلحة الإنسان العاديّ.

2.تضخيم التهديد الخارجيّ أو الداخليّ

من أبجديّات السياسات الدعائيّة خلق «عدوٍّ دائمٍ» لتبرير أيّ إجراءاتٍ استثنائيّةٍ أو قوانين صارمة. ويتخذ هذا «العدوّ» أشكالاً متعددة: قد يكون جماعةً دينيّةً أو عرقيّةً أو فكريّةً، أو حتّى «الجهل» نفسه، بحيث تُحرَّف الحقائق ويُقنَع الجمهور بأنّه بحاجةٍ إلى رعاية السلطة باستمرار.

3.الاستعانة بخطابٍ دينيٍّ متطرّفٍ أو قدَريّ

إنّ الربط ما بين الخطاب الدينيّ المتزمّت أو القدريّ وبين التجهيل المقصود يتمثّل في تجميد الحراك الاجتماعيّ، وتقليص فاعليّة الأفراد تحت مقولة «هذا قدرنا، ولا اعتراض على حكم الله». وهذا الفهم المشوَّه يسهّل على السلطة – أو القوى المتحكّمة – تبرير تردّي الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة، لأنّ الغالبيّة تعتقد أنّ كلّ هذا حتميّ .

* المادة تم فيها الاستعانة بالذكاء الاصطناعي .

الدكتور عبدالرزاق بني هاني كان قد كتب قبل سنوات مقالا  تاليا الرابط : 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق